الثورات الملوّنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تتزامن ظاهرة سياسية في بلدان متعدّدة مختلفة، من حيث ظروفها الخاصة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فثمّة احتمالان ليست بينهما الصدفة. إما أن يكون في الأمر تقليد، وإما أن هناك مُخرِجاً وسيناريست ومنتجاً وحّدوا تصوير المشاهد في الأماكن المتعدّدة على نحو متزامن.

منطق التاريخ يقول إن التقليد ظاهرة فردية، وتنزع أكثر للشكلية والمظهرية ولا تمس جوهر القضايا. يبقى إذاً الاحتمال الثاني، أي أن هناك تحريكاً خارجياً مركزياً، له أدوات ويجمع تحت عباءة سياسية وإعلامية فئات شعبية مستعدة لتقديم التضحيات، رغم رؤيتها قيادات الحراك تتلقى دعماً من جهات خارجية جزء منه معلن والآخر مخفي..

ومن دون أن تعلم هذه الفئات الشعبية أن الزارعين في واد والحصّادين في واد آخر. على أية حال، فإن الفصول نفسها أسبق من أحداثها، وهذا الذي يسمى ربيعاً عربياً، اختير له الاسم مستنسخاً من «ربيع براغ» كواحد من الأمثلة. وبعد أن كانت تجربة نقابة التضامن في بولندا تجدّف وحدها في بحر المنظومة الشرقية، حدث الانهيار الدراماتيكي للاتحاد السوفييتي، ثم تبعته بقية المنظومة كأحجار الدومينو.

بعيداً عن فلسفة التشكيك والتفسير البوليسي للأشياء والظواهر والتوجّهات، فإن فلسفة البريسترويكا «إعادة البناء» وغلاسنوست «المكاشفة»، التي أتى بها ميخائيل غورباتشوف منتصف 1985 إلى رأس هرم السلطة في الاتحاد السوفييتي، لم تفعل شيئاً مما تضمنّه كل التنظير بها وحولها، لكنّها أدت مع عوامل أخرى لانهيار الدولة ودخولها نفقاً بمسارين: الظلام والضياع.

ما سميّت ثورة وردية عام 2003 في جورجيا، اندلعت بمناسبة إجراء انتخابات قيل إنها مزورة. حُمِّل الشباب وروداً لتسمى الثورة ورديّة. أحد سفراء أميركا قال حينها إن تلك «الثورة» نموذج لأجندة الرئيس الأميركي جورج بوش للديمقراطية. ولم يكن التعاطي معها مجرّد كلام، بل عزّزت أميركا صفوف المعارضين الموالين لها وأوصلتهم للسلطة.

وما حدث بعد ذلك في أوكرانيا مطلع 2005، كان عزفاً على الوتر ذاته «تزوير الانتخابات»، ونجح الحراك الذي سمي ثورة برتقالية في تغيير النظام، ليتضّح بعد ذلك أنها لم تكن تحركاً لمصلحة المقهورين، بل موجّهة ومموّلة من الخارج.

كل الأحداث الطارئة التي تتولاها قيادات طارئة لا تحمل الرؤية والبدائل الواضحة، ليست لها مسارات سوى الأنفاق المظلمة والفوضى، لتنتهي بامتطائها من الانتهازيين الذين يحوّلونها إلى «بزنس».

Email