روح دبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الهوى في عرفي نوعان؛ واحد تصنعه وآخر يصنعك، فعليك بالثاني أينما وجدته، فالأفضل أن تُصنع لا أن تصنع، لأنهم قديماً قالوا، ولا أدري من هم، «طبخ الطعام يفقدك شبقه»، ومن هنا نبدأ.. قد لا نكون موفقين ولكنها بداية، والبدايات تقود إلى النهايات حتماً.

ما لهذه البلاد تنسرب إلى روحي دونما استئذان وأنا المعند بإفريقيتي حد التطرف! تعجبني شوارع نيروبي وأزقتها، أشعر فيها بدفء يتخلل أضلعي.. أسير فيها وكأنني أضمها، أفتح رئتي لهوائها عندما أزورها بعد غيبة.. هنا كان جدودي يصطادون الأسود، وهناك كوخ جدتي تخرج منه بصدرها العاري، ولا تأبه لنسوة المدينة وهن يتهامسن أنها أنجبت تسعة عشر طفلاً وما زالت كأنها بكر!

لا أهتم كما صديقي المنحدر من قبائل النوبة، برموز التحرر الوطني الإفريقي، ولا تستهويني قصصهم كما تأسرني أساطير العجائز، فأنا أكره السياسة وأحملها كل حماقات الحروب.

وفي كمبالا أشعر أنني لست بعيداً عن تيمبكتو ومكتبتها التي حرقها التطرف، رغم علمي أن الجغرافيا تمد لسانها لي.. أتجول في هذه المدينة وكأنني أفك طلاسمها وأسرارها الموغلة في التاريخ، كل شيء هنا له سحره.. وكذلك متسولوها لهم عاداتهم وثقافتهم التي اكتسبوها بتراكم الخبرات.

فليكن، هي إفريقيا.. غير أن حباً آخر وهوى يصنع نفسه فيّ؛ الصحراء هنا لها سحر الغابات هناك، والأرض تمتلك تأثيراً بلذعة خاصة. ديرة، فيها شيء ما يجذبني، أصوات قاطنيها، متاجرها، شوارعها المتفرعة وتلك المتداخلة..

في زحامها حميمية، وبعض روائح الطعام تجعلك تطوف العالم شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً، سحنات الناس ولغاتهم، رغم كدهم لا تجد فيهم مبتئساً أو مكفهراً، إذا احتك بك أحدهم يمنحك ابتسامة صافية مصحوبة باعتذار. الممزر، الكرامة، القرهود، القوز، ند الشبا، وفي الوصل بعض من البيوت الصغيرة المتناثر وأمامها تجد أولئك المسنين وأطفالاً يعلبون، وقريباً منه جميرا ومزيجها المتناسق ما بين القديم والحديث..

إنه نمط يشدني، يشعرني بالراحة. الحياة هنا لها ملحها الخاص غير المخلوط بالتوابل، الأماكن يقتحمك حبها، تألفها من غير شعور منك ولا تخطيط، تبني لك ذاكرة بمبادرة منها. دبي مدينة تبني عشقها فيك، إنه عشق يصنعك لا تصنعه.. فجأة تجد نفسك هائماً بها، فهي ليست برج خليفة ولا مول الإمارات ولا سوامق البنايات وجميل العمارات فحسب، دبي روح تهواك وتجبرك، حتى لو كنت متمرداً مثلي، على هواها.

 

Email