عملية القدس وأصل الصراع

ت + ت - الحجم الطبيعي

من يسمع مواقف بعض المسؤولين الدوليين من عملية القدس، يكاد يرى من بين ثنايا الكلمات قلوباً تنفطر ودموعاً تنسكب على الوجنات. هذه المشاعر مشروطة بأن يكون القتلى والجرحى إسرائيليين. قبل عملية القدس بيوم واحد، اهتزت مشاعر الفلسطينيين وكل ذوي الضمائر غير المسيّسة، على شاب فلسطيني أعدمه المستوطنون بدم بارد. لكن قادة «العالم الحر» لم تتحرّك لهم قصبة، ولم تزدد قلوبهم نبضة، ولم تذرف عيونهم دمعة.

هذه الدموع التي تنساب من الكلمات، لم نرها حين شنّت إسرائيل عدوانها على غزة أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً، مع كل ما خلفته هذه العدوانات من ضحايا. لكن يبدو أن كثافة الدخان المنبعث من قنابل الفوسفور الأبيض حجبت الرؤية عن الضحايا، ولم تحجبها عن الجلاد الكامن خلف الدخان الأبيض والأسود وفوقهما.

على أية حال، غبي من ينتظر من أهل النفاق موقفاً منصفاً، وسطحي من ينتظر حليب العدالة من ضرع تجلّد عولمة، فهذا وذاك كطالب الدبس من «مكان ما» في النمس. وبعيداً عن هؤلاء جميعاً، لا يريد أحد في الدول المتنفّذة أن يرى أصل المشكلة في الصراع العربي الصهيوني ألا وهو الاحتلال، فهو الأساس والباقي فروع، وهو المبدأ والباقي تفاصيل.

هؤلاء يستمعون وترق قلوبهم لكلام جاف يصدر عن بنيامين نتانياهو، ولا يعيرون اهتماماً لأنات الضحايا. نتنياهو يقول لهم إن من يتحمّل المسؤولية عن أية عملية فلسطينية هو محمود عباس وحركة حماس. هو يكذب الكذبة ولا يصدّقها، لكنه يجد من يصدّقها، ولا يجد من يقول له إن جذر الصراع موجود قبل عباس وقبل «حماس».

لا يجد من يقول له إن قائداً سياسياً يطلق العنان لتهويد واحدة من أقدس مقدسات المسلمين والمسيحيين، ولا يتوقّع ردرد فعل غاضبة على أفعاله لا يستحق مقعد القيادة، وأن مسؤولاً يمنح الغطاء والحماية لعصابات تقتحم المسجد الأقصى كل يوم، ثم تخطف وتقتل وتحرق طفلاً فلسطينياً حياً، ولا يتوقع عمليات انتقام، ليس أهلاً للمسؤولية.

في مرحلة مضت كانت إسرائيل تصوّر كل عملية استشهادية أو تفجيرية على أنها بداية المشكلة، مع أن أول عملية من هذا النوع حدثت بعد مرور قرابة خمسين سنة على اغتصاب فلسطين. والآن إسرائيل ومن وراءها، لا يريدون أن يفهموا أن شعباً تحت الاحتلال لا يمكنه أن يهدأ أو يستكين.

Email