عشاء في دولة مجاورة

ت + ت - الحجم الطبيعي

دُعيت لحضور مؤتمر في النمسا الأسبوع الماضي، وأثناء جولة في فيينا قالت لنا المرشدة السياحية، وهي تشير إلى محطة باصات، أنه يمكننا أن نركب أي باص من هنا إلى أية مدينة في أوروبا، وقررت أنا وأصدقائي خوض التجربة لأقرب مدينة، واخترنا براتيسلافا عاصمة جمهورية سلوفاكيا المجاورة للنمسا، وذلك لأنها الأقرب على بعد ساعة واحدة من فيينا.

وتذكرة الباص 7 يورو فقط، وركبنا الباص وأخذنا التذاكر من السائق الذي لم يسألنا عن أي شيء، لا هوية ولا جواز سفر ولا جنسية ولا هدف الزيارة، كأننا نركب إلى محطة أخرى داخل فيينا، وتحرك الباص في طريق سريع ممهد ومزود بكل شيء، ووصلنا براتسيلافا بعد ساعة، ولم نلاحظ على الطريق أي نقاط حدودية أو علامات توضح أننا دخلنا أراضي دولة أخرى، علما بأن النمسا وسلوفاكيا دولتان مختلفتان تماما في كل شيء، اللغة والثقافة والمذهب الديني والمستوى الاقتصادي وحتى في التوجهات السياسية، لكن لا توجد بينهما أية حدود جغرافية أو سياسية..

وكانتا منذ ربع قرن تتبعان معسكران متحاربان أحدهما شيوعي والأخر رأسمالي، والآن هما دولتان ضمن الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة مختلفة فيما بينها في كل شيء، دول غنية وفقيرة عاشت فيما بينها تاريخ ملئ بالحروب والصراعات الدموية والكراهية والأحقاد، وعاشت صراعات طائفية ودينية أبشع بكثير مما عاشتها أمتنا العربية.

بالقطع الأمر عادي لأي متجول بين دول الاتحاد الأوروبي، لكن بالنسبة لنا نحن العرب فإن الأمر غير عادي، بل يثير الكثير من الشجون المشوبة بالألم والحسرة، فنحن العرب أصحاب اللغة والعقيدة والثقافة والتاريخ المشترك منذ مئات السنين، لا نستطيع التنقل بين بلداننا بسهولة، بل كثيرون منا ممنوعون من دخول بلدان عربية كثيرة، وبين بلداننا حدود تحرسها جيوش كبيرة، ولا توجد بين الكثير من بلداننا المتجاورة طرق سهلة للسفر، ونعامل كأجانب حيثما نذهب.

أعلم أن القضية قديمة ومملة ومستهلكة، لكن الأمر يختلف عندما يعيش المواطن العربي هذه التجربة في أوروبا، ويسأل نفسه، ترى هل سيأتي يوم نصبح مثلهم؟، إحساس مؤلم وحديث طويل مع أصدقائي العرب لم يقطعه سوى وصول الباص لمحطته في فيينا بعد رحلة استغرقت ست ساعات تناولنا فيها العشاء في دولة أخرى مجاورة، هكذا بكل بساطة وسهولة.

 

Email