العدوان وأسطوانة الذرائع

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ عدوان غزة، وكما في الجولات السابقة، يتعمد الجيش الإسرائيلي قصف المنازل فوق رؤوس أصحابها من نساء وأطفال ومسنين، حتى وإن لجأ، لدواع دعائية، إلى إبلاغ بعض العائلات بإخلاء مساكنها، وفي مثل هذه الحالات، تمنح هذه العائلات دقائق للمغادرة، والكثيرون لم يتمكنوا من الابتعاد، وذهبوا ضحايا للقصف.

ومنذ مطلع هذا الأسبوع، صعّد الاحتلال حربه، وارتفع عدوانه بارتفاع الأبراج السكنية، فراح يستهدفها بكل ما أوتي من صواريخه، وكأنه يقصف مفاعلات نووية. لم يعد في غزة مكان أو مبنى خارج بنك أهداف »ربيبة الغرب«، الأبراج والبنايات والبيوت والمساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات والشوارع، وحتى شاطئ البحر!

شهية القتل، ليست لها حدود أو تخوم أو شواطئ. منذ الغرزة الأولى في نسيج الأيديولوجيا الصهيونية، أنشئ النسيج عنصرياً دموياً كولونيالياً، بلا محددات أو ضوابط. هكذا أنشأ هيرتزل واقتفى أثره بقية القتلة، من هيرتزل إلى نتنياهو، مروراً بغولدا ورابين وبيريز وبيغين وشامير وشارون وباراك... هكذا ينشّئون صغارهم، أن »العربي الجيد هو العربي الميت«، وأن غيرهم لا ينتمون إلى البشر. الآن يصبون على غزة نيران عنصريتهم.

ما هي ذريعتهم التي يبنون عليها روايتهم وتتلقفها منهم دول نافذة ووسائل إعلام معظمها غربي وبعضها، ، عربي؟ الصواريخ.. كل هذه الحمم تستهدف الصواريخ! عشرون ألف طن من المتفجرات تعادل ست قنابل نووية، كلها تستهدف الصواريخ. لو أردنا، لا سمح الله، أن نصدق الصهاينة، لماذا إذن تطلق المقاومة يومياً عشرات الصواريخ حتى اليوم الخمسين من العدوان؟

الرواية الممجوجة ذاتها تتكرر مع كل مرحلة.. بين 1993 و2000، كانت العمليات التفجيرية ذريعتهم لعدم الالتزام بالاتفاقات السياسية مع منظمة التحرير ، وكأنها مشكلة المشاكل، مع أن أول عملية تفجيرية حدثت بعد مرور أربعة وأربعين عاماً على اغتصاب فلسطين. وكأن الموفد الدولي الكونت برنادوت حين قتلوه، كان يحمل حزاماً ناسفاً، أو كأن نساء دير ياسين كنّ في مفاعلات نووية لا داخل فرن للخبز، أو كأن أهالي كفر قاسم كانوا يحملون مدافع، وليست عصي قطف ثمار الزيتون.

يتذكّر أبناء الضفة الغربية كيف كانت دبابات الاجتياح تسحق السيارات وإشارات المرور، وجنودهم يقنصون النساء وهن ينشرن الغسيل. هم يفعلون ما يحلو لهم، لأن النافذين في العالم صامتون، أو تحوّلوا إلى محامي شيطان، ولأن أشقاء الفلسطينيين ينظرون لأبراج غزة تتساقط كالورق، وهم مشغولون باستطلاع »أبراج الحظ«.

Email