مصر وروسيا وموازين القوى

ت + ت - الحجم الطبيعي

تصادف وجودي في روسيا أثناء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لها ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبمتابعتي للإعلام الروسي وجلساتي مع الأصدقاء الإعلاميين العرب في موسكو، لاحظت أن الحديث حول هذه الزيارة لم يكن حول نتائجها وما دار فيها من نقاشات.

بل كان معظمه، إن لم يكن جله، يدور حول الحفاوة الكبيرة التي استقبل بها بوتين السيسي، التي لم يكن يتوقعها الكثيرون، ليس لأي سبب سوى أنه لم يحدث أن استقبل بوتين ضيفاً لروسيا بهذه الحفاوة البالغة، وبجولات في الشارع وسط الشعب الروسي وباصطحابه له للمواقع العسكرية والرياضية، مثل هذا الشيء لم يحدث من قبل، حتى مع الترحيب الكبير بالرئيس الأميركي أوباما في أول زيارة له لروسيا، كان الاستقبال أقل بكثير في الحفاوة من استقبال السيسي.

هذه الحفاوة بالسيسي كانت محل جدل واسع في الأوساط الإعلامية في موسكو، والسؤال كان يدور حول السبب وراء هذه الحفاوة.

البعض يرى أن الأمر يرجع لأهمية مصر الاستراتيجية والإقليمية، والبعض يرى أن روسيا تريد أن تستعيد الأمجاد السوفييتية في مصر والشرق الأوسط، وهناك من يرى أن المسألة إعجاب شخصي من الرئيس بوتين بالرئيس السيسي.

وأن بوتين يرسل لمصر وشعبها رسالة شكر على إعجابهم وحفاوتهم به وبروسيا ودورها أثناء ثورة 25 يناير وما بعدها، عندما كانت صور بوتين ترفع في ميادين مصر بجانب صور جمال عبد الناصر، وعبد الفتاح السيسي.

كل هذه الأسباب واردة ومحتملة، لكن هناك في الأساس عامل آخر غاية في الأهمية، وهو المتغيرات على الساحة الدولية خلال الأشهر الستة الماضية في أعقاب الأزمة في أوكرانيا، حيث بات واضحاً أن الولايات المتحدة الأميركية كشفت عن عدائها الصريح لروسيا، وأن حلف الناتو أعلن صراحة أن روسيا باتت هي العدو الأكبر للحلف.

وهذا الوضع والمتغير الجذري على الساحة يدفع روسيا بالضرورة إلى التخلي عن دبلوماسيتها المتحفظة ومراعاتها للولايات المتحدة في عدم المساس بمصالحها أو الاقتراب من مناطق نفوذها، وهذا ما كان متبع في السنوات الماضية، والآن تريد روسيا أن تتحرك على الساحة الدولية من دون أي حرج أو تحفظات، وتريد حلفاء أكثر من الأصدقاء أو الشركاء التجاريين، مصر من المرشحين الأوائل لهذا الدور.

يبقى الأمر متوقفاً على مصر، وعلى مدى استعداد القيادة المصرية للتخلص من الأعباء والإرث الثقيل للعلاقات مع واشنطن، هذه العلاقات التي أضرت مصر والعرب كثيراً، وبالقطع لن تكون روسيا مثل أميركا.

 

Email