الإعلام والحرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة وزير إسرائيلي على الأقل كان حاضراً حين نصح وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين، بتكسير الكاميرا ومنعها من تصوير الجنود الإسرائيليين وهم يكسّرون عظام الأطفال الفلسطينيين في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وهذا يتقاطع مع مقولة سابقة فحواها »ابتعد عن الكاميرا وافعل ما شئت«.

قبل بضعة أيام مرّ خبر مقتضب يتحدّث عن »نصيحة« وجّهها قادة الاحتلال الإسرائيلي للصحافيين الأجانب ومفادها عدم دخول غزة تحت عنوان »غزة في حرب ولا نستطيع حمايتكم«. مرّ الخبر سريعاً ولم يأخذ حقّه من التوقّف، رغم أن مضمونه ليس بدعة جديدة في الحروب غير العادلة عبر التاريخ.

الاحتلال، غبي بطبعه ولا ينظر للأشياء إلا من مِهداف البندقية وإحداثيات الطائرة المقاتلة، وإلا لعرف أن هاتفاً محمولاً بيد طفل يمكنه أن يصوّر من شرفة منزل ما يجري في حي كامل، وفي غزة أوردت بعض وكالات الأنباء كثيراً من الوقائع ونسبتها لمقاطع مصورة بأيدي الضحايا.

لم يعد التعتيم ممكناً ولم يعد مضموناً موت الحقيقة بموت الضحية، لأن أحد الجلادين قد يخرج بالحقيقة ولو من باب بيعها مقابل المال. لكن هذا لا يعني أن الكاميرا دائماً موضوعيّة وعادلة، بل هي على نحو عام، وليس بالمطلق، تعبّر عن أطراف الحرب وأهدافهم وما رسم لها من أدوار ومهمّات. وإذا شئنا الدقّة فإن نسبة قليلة من مساحة الإعلام وفلسفته ومنطقه، تتمتّع بالموضوعيّة والمسؤوليّة. بإمكان كل متابع لوسائل الإعلام، منذ حلّق بالمعلومة بجناحيه فضائياً قبل إسقاطها على حواس المتلقي، أن يلاحظ أن معظم هذه الوسائل تتمترس خلف موقف وتطوّع الخبر والتقرير والصورة والصوت خدمة لموقفها المسبق وليس لصالح الحقيقة والضحيّة.

بقليل من الجهد يمكن ملاحظة أسلوب التلاعب بالمعلومة قبل بثّها، أو حتى فبركة تقارير كاملة لا أصل لها، من أجل تمرير أهداف سياسية في إطار صراع يحمل أبعاداً استراتيجية أخطر مما يمكن للمشاهد العادي والبسيط أن يتصوّر أو يتخيّل.

حرب غزة كشفت العديد من النماذج السوداء لدور وسائل الإعلام، والخطير في الأمر ليس فقط دخول بعض الإعلاميين العرب في سرب التحريض الصهيوني والتطوّع للدفاع عن مجازره، بل أيضاً بلجوء البعض للإعلام الصهيوني كمصدر للمعلومة، متناسياً أن الكثير مما سمعه العربي من أخبار وكلام محللين وهم وكذب ومطمطة وقت، مع أن الزمن العربي أصبح من دماء، وهذا الإعلام يتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن شلال الدم العربي.

Email