بارقة منطفئة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نعم، بعد 21 عاماً على اتفاق أوسلو، الذي انتهت مدة صلاحيته قبل 16 عاما، ما زال وهم المفاوضات جاثما على مستقبل القضية المركزية في الشرق الأوسط، وعلى ما يبدو تبخرت أحلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في تتويج تسعة أشهر من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بأي منجز يسجل في ملفه الدبلوماسي شبه الخالي.

المفارقة أن الفريق الإسرائيلي الذي دمر اتفاق أوسلو، ورفض تنفيذ "نبضاته" الانسحابية من الضفة الغربية، هو ذات الفريق الذي يحكم إسرائيل الآن بقيادة بنيامين نتانياهو، الذي رأى إلى جانب أرييل شارون أن "أوسلو" ليس أكثر من "حصان طروادة" فلسطيني، أعاد 60 ألف مقاتل من الشتات، وحقق العودة لنحو 150 ألف فلسطيني تسربوا إلى المناطق المحتلة عام 1948.

هذا الفريق محكوم بإرث شارون "التفاوض لعشرين عاما"، وأيضا بشارون جديد هو وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، زعيم حزب "المفدال" أو "البيت اليهودي" المتطرف، الذي يهدد بدفع حكومة نتانياهو إلى الانفراط إذا وافقت على إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى، وبعضهم من مناطق الـ48، فما البال بترحيل المستوطنين الذي يعتبر حزبه عرابهم، بل هو أبوهم الفعلي الذي ما زال يؤمن بـ"إسرائيل الكبرى".

نقلت الصحف العبرية الأسبوع الماضي عن بينيت قوله إنه إذا اجتمع في غرفة واحدة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس "فسيطلب منه إعداد القهوة"، على أساس مبادئ حزبه التي لا تعترف بشعب فلسطيني، بل مجموعة سكانية يمكن فقط تحسين وضعها المعيشي في ظل الاحتلال. هذه النظرة الدونية، هي التي تهدد تماسك حكومة نتانياهو التي تتعرض لضغوط سلام أميركية، "ناعمة" بالطبع.

فإذا كان اليمين الإسرائيلي على هذه الشاكلة، وهو الممسك بزمام الأمور في إسرائيل، فما بال "اليسار" الإسرائيلي؟

منذ العام 2003 تشكلت في إسرائيل ثلاث حركات سميت جزافا بـ"معسكر السلام"، هي: "مبادرة جنيف" وحركة "مستقبل أزرق أبيض" و"مركز بيريز للسلام"، وكلها تحت شعار دعم الحل التفاوضي مع الفلسطينيين، وإخلاء المستوطنات من الضفة الغربية.

ومنذ ذلك الوقت، ونتيجة حراكها على الأرض دون الصفر، بل إن الاستيطان تغول وتوسع بمعدلات غير مسبوقة في تاريخ الصراع، لكنها في المقابل حصدت ملايين الدولارات من الولايات المتحدة الأميركية وسويسرا والنرويج وهولندا وإسبانيا والسويد، وبالتي صحت اتهامات اليمين الإسرائيلي لها بأنها ليست سوى حركات احتيالية على البطالة، في ظل عجزها حتى عن اللحاق بأضعف حزب يميني في انتخابات الكنيست.

واقع "يساري" إسرائيلي مشلول، ويمين تشتد سلطته على الحكم وعلى شعار "من الفرات إلى النيل"، يواجه خصما فلسطينيا مشتتا بين قطاع غزة والضفة الغربية، ومعسكرا عربيا أوهنته أكثر تداعيات "الربيع" العقيم، وإدارة أميركية باتت مثار تندر في مدى الضعف الخارجي، واتحاد أوروبي مشغول حتى النخاع في "موقعة أوكرانيا".

إذاً، أين هي بارقة السلام؟

 

Email