حازم صاغية وجائزة مستحقّة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أَصابت جائزةُ الصحافة العربية، في فئة العمود، مطرحَها، في دورتها الجديدة التي احتفل بها أَمس، بفوز الكاتب اللبناني، حازم صاغية، بها، وهو الذي يبسُط في مقالته وجهة نظره بكيفيّةٍ تتحقق فيها متعة القراءة وعمق الإفادة، بقدرةٍ نادرةٍ تتوفَّر فيها إشراقات الأسلوب الحاذق، والجملة الرفيعة، والفكرة النابهة.

تحظى بذلك كله عند قراءة مقالة صاغية، وإِنْ لم تُرضِ أُطروحتُها قناعاتك. ولأنَّ ثقافةً مكينةً تُقيم في سطور هذه المقالة، وغالباً أَياً كان موضوعُها، فإنَّ الاشتباك معها، أَخذاً وردّاً ومعارضةً، لا تقدِر عليه بيُسر، بل يتطلبُ سويةً عاليةً من المعرفة، سيّما بالتاريخ قريباً وبعيداً، وبتجارب الشعوب وامتحاناتها. ومن مزايا غير قليلةٍ في مقالة صاغية، رحابةُ معجمها، فالمفردات ذاتُ الإيحاءات الدالّة فيها قد تحضر فيها بغزارةٍ، من دون تكلفٍ بالإنشاءِ السقيم إِياه، أَو بالفصاحة المجانية.

لا مكان لهذه النقائص، ولرداءةِ الإطناب والثرثرة في هذه المقالة. ثمّة رقيٌّ في التعبير المكثف، حين يرمي سهمَه الساخر وانتباهته الرائقة وضربتَه الثقيلة، بإيجازٍ واقتضابٍ يغبطُ عليهما حازم صاغية، يتمناهما كتابٌ كعوبُهم عالية، ومعلقون دربتهم مشهورةٌ في التعامل مع الأحداث والمستجدّات.

لا تنتسبُ مقالة حازم صاغية التي استحقَّت تقدير مجلس أُمناء جائزة الصحافة العربية، إِلى المعهود من التعليقات العجولة، والتي تنشغلُ بإشهار موقفٍ أَو تحليلٍ بشأن واقعةٍ مستجدة، بل هي، غالباً، معنيةٌ بالبعيدِ والمختفي في هذه الواقعة، وبالوقوعِ على سياقها ثقافياً وتاريخياً.

وقد وجبَ، وهذا من بعض خصالِ كتابة صاغية الصحافية، تصنيفُها كتابةً قادرةً على حماية نفسِها من سرعة المحو الذي تُحدثه حوادثُ تتوالى كل ساعة. ولا يُغايرُ كاتبنا زملاءَه من أَصحاب العواميد والمقالات في الصحافات العربية، في سمتِ مقالته هذا فحسب، بل، أَيضاً، في أَنه يُصدِر، سنوياً في الأعوام الأخيرة، كتباً تفاجئك مشاغل بعضِها.

وكلها تُفرحك في إِيقاع سردِها الذي يستعملُ البساطةَ الكاشفة، ويحفر، في الوقت نفسِه، في الجوهريِّ والعميق. من هذا النوع كتاب «البعث السوري.. تاريخ موجز» (2011)، وقبله «بعث العراق.. سلطة صدام قياماً وحطاماً» (2003)، ومن ذلك النوع، كتابا «مذكرات رندا ألترانس» (2009) و«آنا كوماري من سريلانكا» (2013).

كما في مقالته الشائقة، الأُسبوعية أَو شبه اليومية، لا شيء يُمكن حسبانُه لدى حازم صاغية هامشاً، ولا قضيةَ تُعدُّ صغرى فيما غيرُها كبرى. ثمّة انتباهٌ إِلى التفاصيل والمتون والحواف والأَحشاء في المسألة قيد الانشغال بها، كتابةً وتعليقاً، إِنْ كانت تصعيداً كلامياً تأتي فيه كوريا الشمالية على استخدام السلاح النووي ضد أَميركا، أَو نكتة يُشخصها باسم يوسف بشأن محمد مرسي.

هذه واحدةٌ من سجايا ظاهرةٍ في كتابات صحافي مثقفٍ محترف، خبيرٍ في ملاعبة الكلمات والأفكار والرؤى، بالتأمل والدرس والتحليل وإِعمال النظر. ونظنُّ هذه الشمائل النابهة دلت القائمين على الجائزة العتيدةِ، على اسم حازم صاغية، لتعطى له باستحقاقِ مؤكد.

 

Email