شجاعة الاعتراف

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان طبيعياً أن تدوي القاعة الرئيسية لمنتدى الإعلام العربي في دورته الحادية عشرة، التي عُقدت أخيراً، بالتصفيق مع تأكيد العالم العربي الدكتور فاروق الباز أن جيله قد مُني بالفشل، ولم يحقق شيئاً مما تصدى لإنجازه في مستهل حياته العملية.

هذا التصفيق للعالم الكبير جاء، في المقام الأول، تقديراً لشجاعته في الإدلاء بمثل هذا الاعتراف، الذي يصعب على المرء المبادرة به، وجاء كذلك إعراباً عن الاحترام للعقلية العلمية الواضحة والصريحة التي تأبى إلا الانتقال من المقدمات إلى النتائج دون تلاعب أو مواربة.

التصفيق للعالم الجليل الدكتور الباز ما كان يمكن إلا أن يعلو، مرة أخرى، كموجة هادرة عندما عقّب على رفض أحد أبناء جيله الاعتراف بالفشل، بالاحتكام إلى أربعة معايير موضوعية محددة، فقد قال إن جيله استهدف تحقيق أربعة أهداف، هي على التوالي:

ـ الوحدة العربية.

ـ القضية الفلسطينية.

ـ العدالة الاجتماعية.

ـ التنمية الاقتصادية.

وأضاف أن أياً من هذه الأهداف لم يعرف طريقه إلى التحقيق، الأمر الذي يؤكد فشل أبناء جيله، وضرورة أن تتبع الأجيال العربية الجديدة مناهج عمل مختلفة، لا تفضي بها إلى مثل هذا الفشل الذي لا سبيل إلى إنكاره أو التنصل من تبعاته ونتائجه.

الحق أنني تمنيت أن أشهد شيئاً من شجاعة الاعتراف هذه وجانباً من الاحتكام إلى العقلية العلمية وبعض الاحتكام إلى الوضوح والصراحة والأمانة في المناقشات التي تشهدها الساحات السياسية العربية على اختلافها.

لماذا لا يعتمد المتحاورون في السجالات السياسية العربية لغة صريحة وشفافة وجريئة وأمينة مع النفس ومع الآخرين كتلك التي تحدث بها الدكتور فاروق الباز أخيراً في دبي؟

لماذا لا توضع مصالح الأوطان فوق كل اعتبار؟ لماذا لا يتنحى الأفراد جانباً إذا أخفقوا في تحقيق المهام التي عهدت إليهم بها الشعوب والأمم ليتاح لغيرهم تقديم أداء أفضل وتحقيق إنجاز أكبر؟

كل هذه الأسئلة، وغيرها كثير، لاشك في أنها دارت في أذهان الذين صفقوا للعالم العربي الجليل وهو يفتح قلبه ويصارح مستمعيه بالحقيقة كما يراها وكما تبدو ملء الأفق، وإن حاول البعض إنكارها والتنصل منها. ومع الأسئلة لابد أن تأتي الإجابات، وهذه بدورها لابد أن تكون مقنعة، لأن عالمنا العربي في هذه المرحلة من مسيرته لا يملك إلا أن يواجه مفاهيم مختلفة، في مقدمتها الوضوح والشفافية والمسؤولية والقابلية للمحاسبة.

المنهاج الذي اتبعه الدكتور فاروق الباز في تقييم تجربة جيله، بما اتسم به من روح علمية ومن وضوح وصراحة وشجاعة في الاعتراف بالحقائق، هو نفسه المنهاج الذي ينبغي أن يسود العمل العام في عالمنا العربي اليوم قبل الغد.

Email