من المجالس

إيران تتجرع الكأس ولا تكاد تسيغه

ت + ت - الحجم الطبيعي

إيران تتجرع من نفس الكأس. ربيع ملتهب، طالما عملت بكل قواها لنثر شظاياه في كل أرجاء الوطن العربي، وظنت أنها مانعتها حصونها في الباسيج والحرس الثوري من وصول ألسنة النيران إلى يديها الآثمتين.

ثورة شعبية تهز الأرض تحت أقدام «الزعامة الثورية»، التي طالما استخدمت المصطلح للتلاعب بمشاعر الملايين من المخدوعين داخل إيران وخارجها. فعملت خلال أربعة عقود على تصدير مفهوم الثورة إلى محيطها المجاور، ومدّته إلى كل بقعة في العالم، وخصت به الدول الإسلامية، لتفتعل حروباً دينية، وتهدد استقرار وأمن شعوب، وتنخر في نسيجها الوطني والاجتماعي، مأخوذة بوهم إمبراطوري غابر، يوم داسته سنابك الفاتحين، فولّى إلى غير رجعة.


باسم المحرومين، نسج حكم الملالي كل محاولاته لتصدير الثورة وإشعال الفتن في الدول العربية والإسلامية. وبيد المحرومين والمتضررين الإيرانيين، تشتعل ثورة الغضب اليوم. والذين طالما تشدقوا بنصرة المظلومين والمحرومين في المؤسسة الدينية والحكومة والحرس الثوري، يوجهون أشد عبارات التهديد والوعيد للمتظاهرين المحرومين في المدن الإيرانية.

وأعمال العنف والخروج على القانون في الدول الأخرى، التي كانت تحيكها وتمولها إيران، وتسميها ثورات، أصبحت إرهاباً وعنفاً ومخالفة للقانون، عندما ارتدت عليها من داخل الشارع الإيراني.


استطاعت المؤسسة الحاكمة في إيران، أن تفرض هدوءاً واستقراراً ظاهرياً طوال السنوات الماضية، بقوة الحديد والنار، وراحت تتبجح بذلك على دول المنطقة، وفي المحافل الدولية، وظنت أن سياسة القوة المفرطة من ناحية، وسياسة التخدير بشعارات دينية وسياسية مغلفة بتقديس أصله كذب وتدليس، بأنها بعيدة عن ألسنة النار، ومحصنة من شرور أفعالها، وخدعتها هشاشة الأوضاع في عدد من الدول العربية، ما جعلها تخرج من دائرة التحريض والتأليب والتمويل، إلى مستنقع التورط في أراضٍ عربية بجنود وخبراء وميليشيات، جرّت خلالها الأقدام إلى ذهاب بلا عودة.

وغرها تواطؤ دول كبرى، وسكوت أخرى على أفعالها، فتوغلت وتغولت، ومدت بصرها بلا نهاية، حتى أنساها ذلك ما يقع تحت أقدامها، لتكتشف اليوم، أن أوضاعها أكثر هشاشة من أوضاع من عملت على تدميرهم.  ربما تستطيع الحكوم ة الإيرانية قمع حركة الشارع اليوم، كما فعلت في مرات سابقة، ولكن الواضح أن كل حركة لاحقة، تكون أكبر من سابقتها.

والاحتجاجات اليوم تعم كل المدن الإيرانية، ما يعني أن الألم لدى الناس قد زاد، وأن الاعتراض لا يقتصر فقط على خواء البطون. فالنفوس ضاقت من حكم كهنوتي انتهازي وعنصري، فرز الشعوب الإيرانية، ولكنه بجهله وحّدها على مطلب رحيله.

Email