دفقة حياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

 أن ترتعش أجسادنا من حمى الحب وسقم الشوق والانتظار، أو أن تكوينا الغيرة واللهفة، فذاك أمر نحبه ونتلذذ بألمه، ونكتب عنه. أما حين يشتكي الجسد من مرض أصابه، أو لحق بعضو من أعضائه فإننا نتحول إلى مخلوقات أخرى، كائنات تختلف عنا قبل مرضنا، فنغدو بلا صبر أو بصيرة، ونرفض الألم ونتأفف منه..

وتتمحور أفكارنا حول استعادة صحتنا، وممارسة كل ما اعتدنا عليه وألفناه، حتى إننا، أحياناً، يأخذنا الخيال إلى التوق للقيام بأمور لم تكن تخطر ببالنا قبل المرض، لكن الضعف حولها إلى مغريات.

المرض في كل حالاته، عرضياً أو مزمناً، يسلبنا بلا شك عاداتنا اليومية، ويخطف منا القوة والحيوية، ويحولنا إلى كائنات تشعر بالهوان وانسلاب القوة، ولا نعود نتقبل المواقف الحياتية العادية كما كنا قبله، ففي كتابه عن »الذاكرة والموت« كتب الراحل سعد الله ونّوس نصوصاً أتت أغلبها خلال مرضه.

وفي هذا الكتاب تحدث عن مشاعره ومعاناته من السرطان غير القابل للشفاء، ومعرفته لتلك الحقيقة الموجعة، ووقف على أبسط الأمور بالكثير من التحليل والتأمل، كفنجان القهوة مثلاً، الذي كان قبل مرضه مجرد فنجان يحوي قهوته المعتادة..

لكن خلال تعبه »تغلغلت رائحة القهوة في صدري كأنها دفقة حياة«، ثم يتساءل بتهكم: دفقة حياة! »لو يستطيع المرء أن يحصي عدد الكلمات التي تفقد كثافتها وتغدو لغواً بالنسبة للمحكوم بالإعدام«. فكّر كثيراً في حاسة الشم التي أفاقت من سباتها فجأة، فحولت »فنجان قهوة« الاعتيادي إلى ما يشبه الحياة في لحظة، حاله كحال كل من ألهمهم المرض وخلّدوا كتاباتهم كبلند الحيدري، وأمل دنقل، ونزار قباني، في حين لا يحولنا مرضنا العابر إلا إلى أشخاص نزقين لا نطيق أحيانا حتى حبة الدواء.

 

Email