قولوا لأبي حنيفة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذا سكير، وذاك إلى جهنم، هذه زانية، وذاك سارق، هذا عربيد فاسق، وذاك يضرب أمه.. إطالة اللسان وهتك الحرمات، واتهام الناس في مآلاتهم، إحدى سمات العرب السيئة.

الحكم لله من قبل ومن بعد، والله الذي يغفر لمن كانت زانية من بني إسرائيل لأنها سقت كلباً عطشاً، أكرم من البشر على البشر، والحمد لله أن الحكم بيد الله، لا بيد البشر.

أهل المعاصي، يتم سبهم اليوم، بدلاً من اجتذابهم بالكلام الرقيق، والله عز وجل إذ يكرم صاحبة القصة بالجنة، لم يخضعها لحساب حرفي، بل إن العفو فاق الحسابات كلها.

الاستثناء من القاعدة قرار إلهي، يجب على البشر أن يتوقعوه دوماً، ولا أحد ينكر القاعدة ولا الثواب ولا العقاب، الحلال والحرام، غير أن الفصل النهائي بيد الله، ومن يطلقون أحكامهم بوجوه الناس، عليهم أن يخافوا على أنفسهم أولاً، فلا أسوأ من العصيان، إلا غرور الطائعين.

أعرف ثرياً كان يشتد عصيانه كلما أهانه طائع بكلمة، وكأنه ينتقم منه بزيادة العصيان، حتى أقنعه رجل رقيق بأن رحمة الله فوق ألسن الناس، وجعله يبني بيوتاً للأيتام، وُيعلم العشرات منهم. كان لأبي حنيفة جار سكير فاسد نصحه حتى تعب من كثرة نصحه فتركه، وذات يوم طرقت الباب زوجة السكير تدعو أبا حنيفة للصلاة على زوجها السكير فرفض، وفي منامه جاءه السكير وهو يتمشى في بساتين الجنة ويقول قولوا لأبي حنيفة «الحمد لله لم تجعل الجنة بيده!».

لما استيقظ سأل زوجته عن حاله فقالت: هو ما تعرف عنه غير أنه كان في كل يوم جمعة يطعم أيتام الحي، ويمسح على رؤوسهم ويبكي ويقول ادعوا لعمكم فلعلها كانت دعوة أحدهم فندم أبوحنيفة أشد الندم!.

أنين العصاة في مرات أقرب إلى الله من فخر الطائعين، والكلام لا يقال حتى نستزيد من العصيان، دون خوف، لكنه يقال على مقام حسن الظن بالله.

Email