روسوس في حلب

ت + ت - الحجم الطبيعي

منتصف السبعينيات من القرن الماضي جاء المغني اليوناني ديمس روسوس إلى حلب لإحياء ليلتين في قلعتها الشهيرة، حيث توافد عشاق المطرب الرومانسي ليسمعوا أجمل أغانيه مثل (مكان بعيد وحبي حبي) وغيرها من الأغنيات اليونانية ذات الإيقاعات الساخنة، لكن صوت آلة الفلوت زادها عذوبة، كانت القلعة متوهجة بصدى الأداء الرومانسي المبحوح لمغن كان قد وصل وزنه إلى حوالي مئتي كيلوغرام والذي اتبع نظام حمية قاسياً فيما بعد ليصبح أخف وزناً.

في ليلته الأولى وبعدما صعد روسوس درج القلعة الشاهق حيث ينتظره الجمهور أعلى القلعة، كان يصعد بمشقة خاصة لمن هو في وزنه، فقد لهث وارتفع ضغط دمه، وجاء طبيب لفحصه وتأخر صعوده إلى الخشبة ساعتين، لكنه بعد ذلك غنى فأمتع الحاضرين وأطربهم، وبدأ البحث عن طريقة مجدية لصعوده في ليلته الثانية.

كنت يومها يافعاً وصديقاً لشاب يعمل والده موظفاً في القلعة، اهتدينا إلى فكرة إحضار حمار الطحان من السوق المجاور للقلعة، فركبه ديمس روسوس في ليلته الثانية، والكل حوله يضحك وصعد الحمار الدرج وهو يئن تحت ثقل حمله، وراح الحمار يرتطم بالجدران تارة وبأصدقاء المغني تارة أخرى حتى وصل إلى أعلى القلعة، مسكين ذلك الحمار لما لاقاه تلك الليلة.. ولو عرف من كان على ظهره لخف ألمه وقل نهيقه.

ذكرى ديمس روسوس في حلب عادتْ وقد رحل المغني الساحر أول من أمس، وأجزم أنه كان يتألم لمشهد الدمار الذي شهد جمال صوته، الدمار الذي يحيط بالقلعة وأسواقها في قصف أرعن لأعداء الحضارات تارة بالبراميل وأخرى بالصواريخ، كما أخشى أن الأغنيات لن تحلق هناك لأجيال وأجيال.

Email