لماذا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يصر بعض البشر على انتزاع نفسه من دائرة الإنسانية، بارتكاب أفعال وتصرفات لا تليق بكونه إنساناً كرمه الباري عز وجل، وفضله على كثير ممن خلق: ((ولقد كرّمنا بَني آدم وحمَلْناهم في البَر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلا)).

فالإنسان الآدمي، وليس القردي، فضله الله بحمل أمانة التكليف بالقيم الحميدة والأخلاق النبيلة، وليس بالممارسات الغرائزية التي لا تميزه عن غيره من الحيوانات.

فلماذا يُنزل الإنسان نفسَه من مكانة التكريم الإلهي إلى حضيض الصفات الحيوانية؟ ولماذا يرفض تكريم الله له بالتخلي عن أسباب هذا التكريم؟! فلو كان المعيار بالأكل والشرب أو بكتلة الجسم لكانت الفيَلة والحِيتان أولى بالتكريم، ولو كان العكس لكانت الأولوية للجراثيم والفيروسات التي لا تراها العين المجردة، ولو أن المعيار بالعدوانية والهمجية لكانت الأسود والنمور وأسماك القرش أكرم وأشرف.

ولو بالتناسل وأسبابه لكانت الفئران والأرانب أسبق، وبالطبع ليس التكريم باللدغ من الجحور الخفية والضربات الخلفية، وإلا لكانت الحيّات والعقارب أكرم من الإنسان، وحتى العلم بغير عمل ليس مدعاة للتكريم، وإلا لما وصف الله العالِم غير العامل بأنه ((كمَثَل الحِمار يَحملُ أسفاراً))..

وقس على ذلك ما شئت من الممارسات التي لا تَميّز للإنسان فيها عن بقية الحيوانات.

ميزة الإنسان الأساسية التي تجعله أهلاً للتكريم والتشريف، هي تمسكه بالأخلاق الحميدة، وأولها الصدق في القول والمصداقية في العمل، ولذلك جعل الله المنافقين ((في الدرك الأسفل من النار))، ووصف رسولَه صلى الله عليه وسلم بقوله: ((وإنك لعَلى خُلُق عظيم))، وفي الحديث الشريف: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وبديهي أن مكارم الأخلاق لا تتم بالكذب والنفاق.

وحين يتخلى الإنسان عن إنسانيته متجرداً من القيم الأخلاقية ويصبح مجرد رقم عددي، فليس مهما إن زاد العدد واحداً أو نقص.

Email