فيروز 79

ت + ت - الحجم الطبيعي

في السادسة صباحاً ينساب صوت فيروز من الشرفات حاملاً أملاً جديداً، وكأن حقلاً من القمح يحيط البيت، أو أشجار كرز تزهر في الربيع، تغني فيروز حتى تصعد الشمس عالياً إلى السماء، وحيث الكل يرى في صوتها سلاماً روحياً يساعدهم على بداية عملهم، وحيث تتحول من مجرد مغنية بصوت ملائكي إلى رمز إنساني يتجاوز حدود العاطفة البشرية، إلى ما هو كوني متشابه في المشاعر والسلام الداخلي.

منذ أيام صادف عيد ميلاد سفيرة النجوم الـ79، من يصدق أن صوتاً كهذا يذهب إلى ما تذهب إليه الأعمار، عشاقها لا يصدقون سوى صوتها الذي يسيل عذوبة على البيوت حاملاً إليها الطمأنينة، لم يصدقوا أن أيقونة لبنان على أبواب الثمانين، لذلك لم يبخلوا بروابط أغانيها وصورها الشخصية على آلاف المواقع، فضلاً عن نوادر مقابلاتها أو صورها العائلية، وتسابق المغردون إلى نشر مقاطع من صداحها مرفقة بعبارات نابعة من أفئدتهم وكأنهم يخشون عليها من ضرر أو عطب يصيب حضورها.

أعطت فيروز للصباحات معاني جديدة فقد حولت الحلم إلى معادل واقعي، يمكن فيه للعشاق أن يلتقوا على النبع أو يمكن للعصافير أن تحمل الأشواق إلى أميرات الليالي البعيدة، أو يمكن للأمهات أن يسمعن دبيب الغائبين على مدارج القرية، للأشجار أن تغار من أنامل صبية تقطف التفاح أو للجليد أن يذوب من شدة عذوبة العيون العاشقة.

حضورها العام يشبه اللغز، وهذا سر قيمتها المستمرة، فهي لا تحب الظهور، المقابلات، الصور، التصريحات، ليست طرفاً في خلاف، ليست معك ضد أحد، أو مع أحد ضدك، وطوال سنوات الحرب اللبنانية، كانت نسيج وحدها، رأيها نسمعه من خلال الأغنية، وطنيتها تفوقت، صوتها كان حراً ديمقراطياً ممجداً عظمة الخالق، محتفياً بالإنسان أحسن مخلوقاته.

ألسنا محظوظين أن فيروز ولدت في هذه البقعة من العالم، بلى نحن كذلك، ولكن أكثرنا حظاً من يبدأ يومه بحلم أو أمل تغذيه فيروز حتى الثمالة.

Email