تباً للسياسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما فقدت كلمة «تباً» العربية الفصيحة، دلالتها اللغوية ومعناها، نتيجة استخدامها المبتذل في الترجمات الركيكة لبعض الأفلام والمسلسلات الأجنبية، وإذا أضيفت إليها السياسة بمفهومها المتداول والسائد في عصر المفاهيم المقلوبة والمصطلحات المُلتبسة، فالأمر لا شك أكثر سوءاً وكارثية.. لكن ذلك كله لا ينفي عن الكلمة أصالتها اللغوية ومكانتها المعجمية.

لقد ارتبطت السياسة قروناً مديدة بالحكمة والفلسفة، وبالموازنة الواعية والدقيقة بين الأهداف والإمكانيات، والسعي لتعظيم المكاسب وتقليل الخسائر إلى أقل حد ممكن، قبل أن يستقل الفكر الاقتصادي عن الفلسفة ويستحوذ على التخطيط وإعداد الموازنات.

ولعل أشهر تلخيص لمفهوم السياسة، قبل المكيافيلية، هو تلك المقولة المنسوبة إلى مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان «لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، فإن شدّوها أرخيتها وإن أرْخَوها شددتها»، والتي تختصر عادة بعبارة «شعرة معاوية».

أما السياسة كما نراها اليوم، فهماً وممارسة ونتائج، فتبدو على النقيض تماماً، بل يكاد يكون هدفها الوحيد هو تقطيع الروابط والصلات، ولو كانت حبالاً من الفولاذ، أو حبلاً من مَسَد، بما في ذلك الروابط التاريخية والجغرافية الممتدة عبر القرون والأجيال، سواء على مستوى الدول أو في العلاقات بين الجماعات والأفراد.

 فمجرد اختلاف بسيط في الفهم أو تباين في الآراء، كفيل بقطع كل العلاقات وإشعال نيران العداء والاحتراب بكل الوسائل والإمكانيات، بدءاً من القطيعة بين الإخوة والأصدقاء، مروراً بالمعارك الإعلامية والدبلوماسية، وليس انتهاء بتجييش الجيوش وحشد السفن والطائرات الحربية وكل أسلحة القتل والدمار.

وكأن الإنسان كلما خطا خطوة إلى الأمام، كما حصل في مجال الاكتشافات العلمية وبعض الجوانب الفكرية، سارع عدة خطوات إلى الوراء.. إلى عصور التوحش والهمجية والحروب العبثية، وسياسة القتل والنهب وتدمير ما حققه من إنجازات ومكتسبات! وما دام هذا حاله وتلك سياسته، فتباً له وتباً لتلك السياسة.

Email