الوسطاء يتورطون

ت + ت - الحجم الطبيعي

اجتياح الحوثيين صنعاء يطرح أكثر الأسئلة إلحاحاً في شأن مهمة الموفد الدولي جمال بن عمر. في رصيد المبعوث الأممي خبرة دبلوماسية وتجربة سياسية وقدر من الطموح أغرته بالمغامرة في شقاء اليمن.

بن عمر مناضل بالنشأة؛ إذ دخل السجن في صباه المبكر بينما المغرب يعبر «سنوات الرصاص»، مسيرته النضالية تحفل بجهد في جبهات العمل الإنساني عبر لندن وجنيف ثم نيويورك. تلك تجربة حافلة تؤمن قدراً من الوعي، غير أن إغراء النجاح غلب على الوعي الذي اصطدم بعقلية اليمن القبلية.

تجربة بن عمر ليست أفضل من مغامرة الأخضر الإبراهيمي في سوريا. السياسي الجزائري المخضرم ألقى بقدر كثير من رصيده الدبلوماسي في المحرقة السورية من غير الأخذ في الاعتبار أسباب فشل سابقه كوفي عنان. ربما اندفع الابراهيمي في المغامرة استناداً إلى تألقه عربياً إبان جهود إطفاء الحرب الأهلية اللبنانية 1989.

الإبراهيمي لم يدرك قناعة عنان باتساع الفجوة بين النظام السوري والمعارضة وسط انشقاق الإرادات الدولية على نفسها، فتوغل في الركام والحطام والانقسام على الساحة السورية. بفعل هذه الآفة انزلق بن عمر كما الإبراهيمي ليصبح كل منهما جزءاً من الأزمة أو تدويرها بدلاً من إدارتها.

خبرة الإبراهيمي حرضته على مغادرة الساحة السورية الموبؤة بالاشتباكات الإثنية والطائفية والتقاطعات الإقليمية لإنقاذ ما يمكن من صيته. تلك حاسة سياسية افتقدها بن عمر إذ تورط في متعرجات اليمن حتى باغته الحوثيون باجتياح صنعاء. انغماس الموفد الأممي في الأزمة لم يجعله قادراً على استيعاب كيفية ما حدث فاكتفى بانتظار الإجابة من التاريخ الذي لم يأت.

ذلك هو حال ثاميو أمبيكي حامل كل الملفات السودانية. الرئيس الجنوب إفريقي السابق يرأس ما يسمى بالآلية الإفريقية الرفيعة. هو منغمس في جميع البؤر السودانية الساخنة: علاقات الشمال والجنوب، حرب دارفور، الحوار الوطني. مع طول عهد أمبيكي بهذه الملفات لم ينجح الرجل والآلية الرفيعة في تحقيق أي قدر من التقدم في أي من الجبهات.

 مع تورط الرجال الثلاثة في رمالهم المتحركة، في وسع كل منهم إدراك ضرورة توفر ضمان أساسي للنجاح في المهمة. الاستناد إلى إرادة دولية غالبة. تلك كانت عصا ريتشارد هوليروك عندما أنجز اتفاقية دايتون حيث انتهى البوسنيون والصرب والكروات إلى سلام دائم.

Email