الزرع والحصاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

يكاد التذمر يصبح ظاهرة عامة «معولمة»، في المجتمعات وعلى مستوى الأفراد، فالكل يشكو من الكل، ومن ظروف العمل ومشاغل الحياة وهمومها، فضلاً عن الشكوى الدائمة من المناخ وتقلبات الطقس، في مختلف المناطق والبلدان، وعلى اختلاف مناخاتها وطقوسها! فالشعوب ثائرة، وأصحاب القرار غاضبون، والعمال مضربون محتجّون، وأرباب العمل مستنفرون ساخطون، والموظفون محبطون يتأففون، والأصدقاء متذمرون.. 

هكذا تمطرنا نشرات الأخبار، ووسائل الاتصال والتواصل، وواقع الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية. ولا أحد يسأل، إلا نادراً، عن الأسباب الحقيقية، وينظر إليها نظرة موضوعية تشخيصية، تبحث عن الحلول والعلاجات.

البعض، ولعلي منهم، تستهويهم الأمثال ويرون فيها مدخلاً لفهم ومعالجة الكثير من القضايا والسلبيات، خاصة تلك الأمثال المتواترة المحمّلة بالمعاني والقابلة للتطبيق على أكثر من حالة، باعتبار أن المثل خلاصة تجارب أجيال متعاقبة، ونتاج ثقافات ومعارف إنسانية متنوعة.

ومن ذلك المثل السائر «مَن زرَع حصَد»، فهو قابل للتطبيق على كثير من الأحوال والأوضاع؛ فمن زرع التعلّم حصد المعرفة، ومن زرع التخطيط السليم حقق الإنجاز والتميز، ومن زرع العدل حصد الأمن والاستقرار، ومن زرع الشخص المناسب في المكان المناسب، حتماً سيحصد كفاءة الأداء وجودة الإنتاج، ومن زرع التربية الحسنة حصد الثقة بالنفس والأمانة وحسن المعاملة... وقِسْ على ذلك ما شئت في مختلف الميادين والمجالات.

هل نحن العلة والمعلول؟ الضحية والجلاد؟ الداء والدواء في الوقت ذاته؟ هل نحن الشاكي وسبب الشكوى معاً؟ وهل سألنا أنفسنا يوماً؛ ماذا زرعنا لكي نتوقع حصاداً نافعاً وفيراً؟!

الزرع أساس الإنبات، ومن زرع شيئاً، إيجابياً أو سلبياً، فلن يحصد إلا ثمار ما زرع، فـ«الجزاء من جنس العمل»، ومن توقع غير ذلك فهو كمن يسعى إلى الهيجاء (الحرب) بغير سلاح.. و«ذنبه على جنبه».

Email