عيد فرض نفسه

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يخفى أن أحوال المسلمين عموماً وحال العرب خاصة، لا تدعو للفرح وليست أجواء بهجة واحتفال، رغم إضاءة هنا أو بارقة هناك.. لكن الزمن يسير، والقافلة أيضاً، ولا عزاء لأمة تتآكل ويأكل بعضها بعضاً، ويتداعى عليها الآخرون. إنما هي قوانين الكون وسنن الخلق، لا تتوقف لموت شخص أو هلاك شعب، ولا حتى لابتلاء أمة بأكملها. لذلك يفرض العيد نفسه بحكم روزنامة الزمن، بغض النظر عن أحوال البشر ومصائر الدول والشعوب.

ومهما يكن فلسنا أول أمة سادت ثم بادت، ولن نكون آخر الأمم في هذا المسار والمصير، فالدول تنشأ وتشُبّ، ثم تشيخ وتضمحل، نتيجة عوامل داخلية وخارجية. لكن أخطر الانهيارات ما يصيب الدول والأمم من داخلها، فتفقد مناعتها الطبيعية وتصبح عرضة لكل العلل والأمراض، ونهباً لمختلف الآفات والفيروسات.

شلالات الدم النازف من جسد الأمة، وركام التدمير الممنهج، وأمواج النزوح المتلاحقة، استنزفت الضمائر واستنفدت آخر خلايا تخثر الدم وإيقاف النزيف، فالكل ينافس الكل في الاستهتار بالأرواح وسفك الدماء والانتحار الجماعي.. وليس لنا إلا أن نتناسى الواقع مؤقتاً، ونحلم ولو تَخـيُّلاً، ببارقة أمل ولو في المستقبل غير المنظور. وأهمية العيد أنه يمنحنا فرصة التعلل بهذا «الوقت المستقطع»، لأنه جزء من سيرورة الزمن وساعته التي لا نملك إيقافها، واللحظة التي تمر لا تتكرر.. وعلى رأي الطغرائي (مؤيد الدين الحسين بن عبد الصمد المتوفى 514هـ):

أعلّل النفسَ بالآمال أرقُـبُها

ما أضْيقَ العيشَ لولا فُسحةُ الأمل

فلنأخذ فسحة الأمل، وننتهزْ سانحة الزمن قبل أن تتوارى، ولنستقبل العيد بأي حال، ونترك ما بعد العيد لرَبِّ العيد.. وكل عيد وأنتم بخير وأمل.

Email