أغلقوا باب الحارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

آثرت ألا أكتب عن أي دراما عربية تعرض خلال رمضان قبل مرور عشرين حلقة، ربما ما لم ألمسه في البواكير الأولى للمسلسلات ألمسه في وسطها أو خواتمها، وتجنبت الحديث عنها قبل الوقوف على بعض مجرياتها، فلا أظلمها برأيي ولا أبخسها حقها من التقدير والاحترام، وبين هذين الرأيين أغبط الذين لديهم الوقت والجَلد لمتابعة معظم ما تعرضه المحطات العربية.

تابعت حلقات الجزء السادس من مسلسل »باب الحارة« الذي تنتجه مؤسسة »إم بي سي«، والأمل يحدوني أن أشاهد دراما الملحمة الاجتماعية الوطنية التي تدور أحداثها في حقبة الثلاثينات في إحدى حارات دمشق القديمة إبان الاحتلال الفرنسي، وقد هالني مستوى التراجع الذي ضرب هذا الجزء من المسلسل، وهذا الكم من الأخطاء التي وقع فيها، فضلاً عن إيغاله في تكريس القيم السلبية والاعتزاز بها كموروث شعبي.

في دمشق الثلاثينات كانت الحياة متطورة بصورة أكثر وضوحاً مما عرضه المسلسل، ولم تكن المرأة الشامية طباخة نمامة تتنظر ابن عمها ليرضى عنها، وصور التظاهرات النسائية التي كانت تملأ شوارع دمشق تشهد، ناهيك عن الطبيبات والمدرسات وغيرهن من بنات دمشق، اللواتي كن يذهبن للسينما والمسرح ويسمعن أغنيات عبدالوهاب والآنسة أم كلثوم.

في دمشق لم تكن الحياة مجرد شوارب بلاستيكية وشبريات وعنتريات وأصوات خشنة وعقول متحجرة، كان فيها »ترامواي« ومصارف وأحزاب سياسية، وأشهر مجمع للغة العربية، وشخصيات وطنية تقارع فرنسا كما فعل فارس الخوري في عصبة الأمم.. صورة دمشق ليست حلاق باب الحارة والفران والقهوجي والخضرجي والحداد، كان هناك مجتمع آخر لم يره صناع المسلسل، لذلك أغلقوا باب حارتكم على عناتركم، ودعوا تاريخ دمشق لأهلها.

Email