عَواقب تَتْرى

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تزال الأحكام المسبقة أحد أعراض العاهة المزمنة، التي نعانيها ويعانيها الشرق (بمعناه الجغرافي والثقافي) عموماً.

ومع أن حالتي هنا لا ترتبط مباشرة بهذه العلة، فإنني لا أستطيع نفي تأثيرها غير المباشر. فقد أهداني الصديق والزميل قصي مجدي سليم، نسخة من أحدث إصداراته »عواقب تديين الدولة في مصر وتونس.. التجربة السودانية نموذجاً«.

والعنوان في حد ذاته شديد الإغراء والجاذبية، لجدة الموضوع وجديته، وارتباطه المباشر والعميق بالزلزال الذي هزّ وهدّ المنطقة العربية، والذي بدا (وبدأ فعلاً) هبّة شعبية أججتها عقود من الفساد والإفساد، مع معرفتي بقدرات المؤلف وسعة أفقه الثقافي، حتى في الأحاديث »نصف الجادة«.

ورغم كل ذلك لم أتجاوز الغلاف الأول للكتاب، الذي ظل أشهراً طريح طاولة إلى جانب السرير، حتى حانت لحظة طالعت فيها الغلاف الأخير، ثم إلى التصدير فالتقديم ثم المقدمة، وبعدها لم أستطع منع نفسي من المتابعة حتى أكملت قراءة الكتاب.

وسواء اتفقت أو اختلفت، كلياً أو جزئياً، مع طروحات المؤلف واستخلاصاته، خاصة بالنسبة لمفاهيم ومصطلحات كالأصولية والسلفية و»الإسلامية«، التي أخرجها البعض عن سياقها التاريخي ودلالاتها اللغوية، واستولى عليها آخرون لا صلة لهم بصالح السلف، ولا بالأصول الصحيحة للإسلام ومقاصده النبيلة، فقد استمتعت فكرياً، واستفدت معرفياً، وانفتحت أمامي آفاق جديدة، أو اتسعت أكثر مما كانت، وهذه في رأيي أهم نتيجة يخرج بها القارئ منأي مقروء.

تناول المؤلف مسألة »الربيع العربي« الموهوم، بجرأة عالية ورؤية استشرافية، حين كان لا يزال هذا الربيع الكاذب في أوج فورته الفقاعية. وقد وفق في عرض واستقراء الوقائع التاريخية والتنظيمية للجماعات، التي انقلبت على الجماهير الشعبية، وأرادت سلب صدق تطلعاتها ونتائج تضحياتها، معتمداً على تجربة عايشها شخصياً، وواكبها متابعة وقراءة متعمقة لنتاجاتها ومؤلفات منظّريها وسدَنَتِها.. وما زالت عواقب الزلزال تَتْرى!

Email