الاحتباس الذوقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا اعتراض على اختلاف أذواق الناس، بل هو نعمة كما "اختلاف العلماء رحمة"، ولولا اختلاف الأذواق وتنوعها لانقرض الجنس البشري.

لكن أن يصبح ذوق فئة أو مجموعة صغيرة هو النموذج العالمي، وأن يفرض على الناس بالإعلام والإعلان ومختلف وسائل الإشاعة والترويج، فتلك مصيبة واختلال في المفاهيم والمعايير، وشكل جديد من "الاستعمار الذوقي" هذه المرة.

كلنا سمعنا عن الاحتباس الحراري، ونعايش الاحتباس السياسي في معظم بلدان العالم وعلى مستوى السياسة الدولية، فضلاً عن الاحتباس الاقتصادي الذي ما زالت تداعياته تهز العالم كله.

ويبدو أن الاحتباس الذوقي سيكمل الخناق على سكان هذا الكوكب، المنكوبين بسوء تصرفات بعضهم وجشعهم الذي يبرر لهم كل الوسائل لتحقيق غاياتهم، إن كان يهمهم التبرير أصلاً!

فقد اختارت مجلة أميركية، قبل أيام، ممثلة كينية شابة باعتبارها "أجمل امرأة في العالم".

ومن حق المجلة أن تختار من تشاء لما تشاء، كما يحق للشركة التي تستغل الممثلة المذكورة واجهة لمنتجاتها، أن تفرح بهذا الاختيار. لكن ماذا عن بقية النساء الكينيات، ونساء القارة الإفريقية كلها، أحرى جميع نساء العالم بتعدد قاراته وتنوع أعراقه؟!

الجمال قيمة معيارية، قبل أن يكون صفة لهذا أو ذاك من الناس والأشياء، وهو مفهوم نسبي يختلف باختلاف الأشخاص والثقافات، لكن هناك مشتركات بين كل الأذواق، بدليل التوافق حول الكثير من اللوحات الفنية والمقاييس الجمالية، في مختلف المجتمعات وعلى مر العصور.

يبدو أن هناك من يصر على إفساد الأذواق وتعميق "الاحتباس الذوقي"، وانتهاك حق الإنسان في تذوقه للجمال، من أجل مزيد من التحكم في توجهات الناس واختياراتهم، حتى في المسائل المعيارية النسبية بطبيعتها.

 ومع ذلك لم نجد جمعية أو هيئة أو منظمة دولية لحماية "ذوق الإنسان"، ولا مؤتمراً لمواجهة "الاحتباس الذوقي" أسوة بباقي الاحتباسات الأخرى.. فمتى يدرك العالم خطورة هذا الإهمال والاستهتار؟

Email