هل نستحق شبابنا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كل المنعطفات والتحولات التاريخية الكبرى، كان جيل الشباب هو الطاقة المحركة والقوة الدافعة نحو التغيير، ولا يزال.

لكن طاقة الشباب، ككل طاقة أخرى، هي وسيلة وأداة يمكن استثمارها في سبيل الإصلاح وما ينفع الناس، كما يمكن أن تستغل لنشر الفوضى والخراب، مثلما تستغل اليوم مكتسبات العلوم والتكنولوجيا في إنتاج وتكديس وسائل القتل والدمار الشامل، بينما يعاني ملايين البشر من الجوع والجهل والمرض، في كل أنحاء العالم.

في التاريخ القديم، اشتهر من الشباب قادة عظام أمثال أخناتون الذي وحد مصر، والإسكندر المقدوني الذي بنى أكبر إمبراطورية وهو في سن الثلاثين، لكن الأول كانت لديه مجالس استشارية وما يمكن اعتباره "مؤسسات دولة" يسترشد بها ويعتمد عليها، بينما كان الثاني تلميذاً للفيلسوف أرسطو، يستلهم تعاليمه وأفكاره.

وفي المراحل الأولى لنشر رسالة الإسلام، كان معظم أجِلاّء الصحابة من الشباب (في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم)، لكن أسس الرسالة ومبادئها كانت واضحة جلية، ولذلك استطاعوا في بضع سنين أن يهزموا أكبر إمبراطوريتين في عصرهما، وأن يضعوا أسس حضارة إنسانية عظيمة ما زالت قائمة حتى اليوم.

وفي عصرنا الحاضر هناك الكثير من التجارب، مثل الثورة الفيتنامية وقيام الجمهورية الخامسة في فرنسا، حيث كان للشباب دور الريادة في الانتصار وإحداث التغيير المنشود، ولكن مع وجود قيادة واعية رسمت نهجها وحددت أهدافها بوضوح.. قبل أن يشيخ الثوار الفيتناميون، وتعتلّ بوصلة النخبة في فرنسا.

وما شهدته منطقتنا العربية في السنوات الأخيرة من ثورات وانتفاضات، ما هو إلا نموذج آخر على حيوية الشباب وطاقته الفعّالة.

فالشباب يمتلك الحماس والجرأة والطاقة اللازمة لإحداث التحولات الجذرية، لكنه يحتاج إلى الخبرة المتمرسة والرؤية الواضحة للأهداف والغايات، لتصويب المسار وترشيد الخطوات، وتجاوز العراقيل والعثرات.

وهذا ما فشلت نخبنا السياسية والثقافية في تحقيقه، فكانت النتائج الكارثية التي نعيشها خراباً ودماراً وحروباً أهلية عبثية، في أكثر من بلد عربي.

Email