لبنـــان يقــــاوم

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخل لبنان في نفق جديد، أشد ظلمة من تلك التي سبقتها، ولن يخرج منه سريعاً.

كان سعد الحريري شجاعاً عندما قبل رئاسة الحكومة في ظل هيمنة حزب نصر الله الإيراني على البلد، ظن أن الاتفاقات مع هؤلاء يمكن أن تنفذ، وأن القتلة قد يكتفون هذه المرة بالابتسامات المخادعة ولا يكون مصيره مثل مصير والده، وعندما اكتشفت حقيقة المأزق الذي هو ووطنه يعيشانه اتخذ موقفاً أكثر شجاعة وقرر الاستقالة، رافضاً اختطاف الإرادة الوطنية، وهو بهذا القرار يعلن بدء مرحلة مقاومة الاحتلال الإيراني عبر الوسيط الذي خان العهود.

من الخارج بعث الحريري استقالته، ومن الخارج كُشفت المؤامرة الكبرى التي تخطط لها إيران، فقد كانوا يرتبون كميناً كما فعلوا بأبيه، وبسيناريو الموكب والتفجير نفسه، للتخلص نهائياً من رمز وطني يطالب باستقلال القرار والموقف، وبعده تسود الفوضى، ويقفز أتباع إيران إلى الحكم المباشر بعد أن استنفدوا حكم السلاح والميليشيات في الظل.

أصحاب الضمائر حذروا سعد الحريري من الاغتيال، وهم قلة اليوم في لبنان، صوتهم بالكاد يُسمع، ولا يملكون غيره للدفاع عن أنفسهم، فالسلاح المكدس في يد أتباع «خامنئي» موجه إلى صدورهم، كما وُجه إلى صدور السوريين واليمنيين والعراقيين، وكان قد قيل كذباً بأنه سيظل عند نصر الله لمواجهة إسرائيل، وهو السلاح نفسه الذي أشرف على وضع المتفجرات في طريق رفيق الحريري، ذلك الرجل الذي أخرج لبنان من حرب أهلية إلى مرحلة بناء جديدة لم يُسمح لها بالاستمرار، كان الغدر عقوبته، ولهذا لا يزال الذين قتلوه بعيدين عن القصاص.

لبنان بعد الحريري ليس أمامه خيارات كثيرة، فمن بقي من قادة السنة لا أظن أحداً منهم سيقبل بأن يكون «شاهد زور» على ارتماء بلاده في أحضان الاحتلال الإيراني، ومعنى ذلك أن يكون لبنان دون حكومة، لتبدأ مرحلة من الفوضى السياسية، تتبعها فوضى مذهبية وحزبية، ثم تنتقل إلى العبث العسكري، والضحية هو شعب لبنان من جنوبه وضاحيته إلى شماله وشرقه وغربه، فالذي يحدث ليس تفوقاً ونصراً لأهل الجنوب والضاحية، بل هم سيكونون أكثر الخاسرين، فإيران عندما تتسيد باسم المذهب تتغلب عليها عنصريتها القومية، وتعود إلى جذورها العرقية، ولن يروا غير صورة العربي التي يكرهونها في وجوه أهل لبنان بكل طوائفه ومذاهبه ودياناته، ومن بينهم من ضُحك عليهم وفي مقدمتهم عرب الجنوب.

Email