دولة الأجنحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح الأمر جلياً، بعد الوقائع الثلاث التي تعرض لها أمير قطر تميم بن حمد، وهي واقعة التسريب، ثم واقعة التعتيم، وآخرها واقعة التحريف، وهي التي تحدثنا عنها يوم أمس، أقول لكم، إن تراتبية الإدارة والقرار في قطر، تخالف ما عرفه العالم ووثقه حول أنواع الدول وأنظمة الحكم.

قطر اليوم ليست دولة ملكية وراثية، وليست ملكية برلمانية، وليست دولة دينية، والسلطات فيها ليست متدرجة، بل متداخلة ومتضاربة، ولا أتحدث عن السلطات الثلاث، وهي السياسية والبرلمانية أو التشريعية والقضائية، ولكنني أتحدث عن سلطة الحكم، السلطة السياسية، تلك التي يفترض أن تكون واحدة، فيها تدرج مناصب، ولكنها برأس واحد وقلب واحد، وفكر واحد، ولسان واحد، وقرار لا يتصادم مع قرارات، ورؤية لا تخالطها أهواء متعددة، دولة القرار الواحد والموقف الواحد والكلمة الواحدة.

هكذا عرفنا الدول، ولم نعرف عن «دولة الأجنحة» إلا في الآونة الأخيرة، من خلال المشهد القطري، على الأقل في العصر الحديث، أما في عصور ولت، فقد ظهرت بعض الدول بما يشبه هذا النظام، وقيل وقتها إن الأجنحة المتصارعة حول السلطة، والمتصادمة حول المصالح، ظهرت في حالات الضعف ومراحل الانهيار عند بعض الدول التي كانت يوماً قوية ومتماسكة، وقد سجل التاريخ زوال تلك الدول، بعد أن انقسمت الولاءات فيها على الأجنحة، وهذا ما يحدث في قطر اليوم.

وللتذكير، فإن استدعاء الجيوش الأجنبية، وفي بعض الحالات، القناصل والسفراء والمندوبين الساميين الممثلين للدول القوية، كان سبباً في نزع السيادة من دول كثيرة، وحقب الاستعمار توضح ذلك جيداً، وتسجل كيف اغتصب ذلك الغريب السلطة بعد أن ثبتها، وكيف أصبح الحاكم مجرد حامل أختام.

تعددت الأجنحة في قطر، ويبدو واضحاً أن جناح الأمير تميم هو الأضعف، ربما لم يترك حتى يكتمل ريشه، وربما كان هناك من «ينتف» الريش أولاً بأول، ولهذا رأينا أميراً يُحرف كلامه، وتُسرب أسراره، وتُمنع خطاباته، ويختفي عن الأنظار دون مبرر، ويظهر متى شاء الأقوياء.

في 3 فبراير 2014، تساءلت في مقال «من يدير من في قطر؟»، وما زال السؤال قائماً.

 

Email