الريـاض أقرب من اسطنبول

ت + ت - الحجم الطبيعي

كما جاء عاد، «سلطان آخر الزمان» لم يكن في جعبته شيء، فرجع إلى بلاده خالي الوفاض.

كان يمكن أن يكون رجب طيب أردوغان وسيطاً مقبولاً لولا مواقفه المنحازة منذ اليوم الأول للأزمة القطرية، وليته كان انحيازاً للحق، نابعاً من الخوف على وحدة الأمة وقوتها، إذاً لقبل أي دور له في تقريب وجهات النظر وتجاوز الأزمة، لكنه كان انحيازاً أيديولوجياً، فهو لم ينظر إلا من ثقب صغير يقود إلى الرؤية الحزبية الإخوانية، ويؤكد أن التنظيم في فكر الأتباع يتقدم على الدين والكلمة الصادقة والموقف المحايد.

كلنا نعرف أنه لم يأت إلى المنطقة للوساطة، هو فقط الذي صور زيارته وكأنها فتح تركي جديد، خطب عدة مرات بأنه سيتدخل لإيجاد حل، وحتى قبل صعوده الطائرة بدقائق في طريقه إلى السعودية كرر الكلام نفسه، وقلة قليلة كانت تتوقع أن يحدث شيء، ليس في السعودية أو الكويت، بل في قطر، ظناً منها أنه سيستخدم تأثيره على الذين يديرون الأمور هناك، فهو حليفهم الذي سارع بإرسال قوات عسكرية لمواجهة قطع العلاقات، وكان سبباً في إصرار القطريين على عدم مراجعة تصرفاتهم وتصحيح مسارهم.

وقد خاب الظن، فالرجل لم يأت بحل، ولم يذهب إلى الدوحة حاملاً النصح والتوجيه، لأنه لا يريد حلاً، ولا يريد تصحيحاً، ولا مراجعة، هو يريد تهدئة مع وعود غير مؤكدة أو مثبتة، كلام ليل يمحوه النهار، دون التزام أو مراقبة، إنه يريد أن يحمي نفسه، فهو يقوم بالتجاوزات نفسها مع دولنا، ولو راجعنا المطالب المقدمة لقطر سنجد عدداً منها ينطبق على تركيا، فهم يحتضنون الهاربين من الأحكام القضائية في بلدانهم، ويوفرون بيئة آمنة لقيادات من تنظيمات إرهابية ومخربة، ويستضيفون مؤتمرات واجتماعات تخطط للفوضى، ولهذا لم نستغرب عندما قال بعد وصوله إلى بلاده «إن موقف قطر الإيجابي جدير بالتقدير»، فالإيجابي عند أردوغان سلبي عند دولنا.

لن ينفع إخوتنا في قطر رجب طيب أردوغان، لا هو ولا الخمسة آلاف عسكري الذين أرسلهم إلى الدوحة، ولن ينفعهم التلويح بمعاهدات مع إيران، ولن يقودها أتباع «الفئة الضالة» إلا لمزيد من الانكماش بعيداً عن محيطها العربي، هناك درب واحد يعرفونه جيداً، وهو الدرب الواضح الذي لا لبس فيه، وهو أقرب إليهم من اسطنبول، إنه درب الرياض.

Email