عندما تختلط الأوراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

تختلط الأوراق، تتكدس فوق بعضها البعض، وتتشابك محتوياتها، سطور تقفز فوق سطور، وحروف تتسابق مع حروف، ولا تعطى الكلمات معانيها، ولا تكتمل جملها، من على حق ومن على باطل؟

من له حق ومن يسلبه؟ من المعتدي ومن المعتدى عليه؟ من يقف مع من، ومن يقف ضد من؟ من يؤيدك ومن يعاديك؟ من يصدقك القول، ومن يكذب عليك؟

دول تتجاذبها الأهواء، كل يوم هي في اتجاه، وإعلام متلون، تغيره حادثة، ومع كل طلة على الهواء يبلع كلام الأمس، وتخرج الكلمات كالخناجر، تطعن الصديق، وتسقط المبادئ، وتخدم جبهات معادية للثوابت والمصالح الوطنية.

عالم غريب، المدعون يفوزون فيه، هم قادرون على التشكل كالصلصال، يدوسون صورهم التي رسموها من قبل، يحاولون طمسها، ويظهرون بصور أخرى تصلح للحقبة الجديدة، بربطة عنق جديدة، وبدلة واردة من إيطاليا، وتسقط الحدود التي تعلموا أنها ركائز لأوطانهم، فالوطن عندهم ما عاد هو الأرض التي أحبوا أو الناس الذين عايشوا، أصبح المكسب هو الانتماء، والثراء هو الغاية والهدف.

يقال إن هؤلاء هم جيل الثورة، جيل ما بعد 2011، من أسقط أعتى الرؤساء، وحرروا الإنسان من الطغاة، فإذا بهم يتقمصون شخصيات الطغاة، ويستبدون في مواجهة من أرادوا توافر أسباب الحياة. هم لهم غايات، وشعوبهم لها غايات، هم يملكون الوسائل والناس لا تملك غير الدعاء.

أوطان تباع، يعرضونها في مزادات سرية، ومن يدفع أكثر يكسب الرهان، فأصبح الأجنبي سيّداً وهم عبيد، من سال لعابه وهو يرى الدولارات لا يمكن أن يكون حراً. كاذبون، كل أولئك الذين نراهم فوق جثث شعوبهم يتفاخرون، كلهم كاذبون. يتحدثون عن العروبة وهم متحالفون مع الأجنبي، يرفعون شعارات القومية ويمهدون الطريق لقوميات أخرى في أرض العرب، ويبررون، وهم كاذبون، ليسوا عمياً حتى لا ينظروا، وليسوا سفهاء حتى لا يعقلوا!!

الضبابية ليست موقفاً، ومن يقف في المربع الرمادي ليس محايداً، ومن يسلم عليّ بيد ويصفعني بيد أخرى ليس صديقاً، وليس أخاً، وليس سنداً، وليس ذلك الذي نجده هنا وقت الشدة. هكذا تعلمنا قبل أن تختلط الأوراق وتتناثر القصاصات هنا وهناك.

Email