ضاقت الأوطان واتسعت البحار

ت + ت - الحجم الطبيعي

شباب يرون الدنيا فاتحة ذراعيها لهم، ولكن أبواب أوطانهم أقفلت في وجوههم، درسوا، تعلموا، حصلوا على الشهادات، ولم يجدوا الوظائف، بحثوا عن أدنى الأعمال فلم تكن هناك شواغر، فنظروا إلى البعيد، إلى ما وراء البحر، فهناك الأمل.

قد يكون عدد الذين قضوا غرقاً قبالة السواحل المصرية بلغ 200 شخص، كلهم أو أغلبهم شباب في مقتبل العمر، ينتمون إلى عدة دول، والنسبة الأكبر من الدول العربية، فكل يوم يخرج البحر من جوفه جثثاً لأشخاص كانوا يبحثون عن الخلاص قبل أيام، فركبوا سفينة بعد أن دفعوا الرسوم لتجار الموت، أكثر من 300 شخص كدسوا فوق بعض وألقي بهم في اليم عساهم يبلغون جزيرة في اليونان أو قبرص أو إيطاليا، وإن حالفهم الحظ صادفتهم سفينة إنقاذ، وانتشلتهم، ولم يجدوا حظاً في ذلك اليوم، وأصبحوا رقماً يضاف إلى حصيلة عامة سجلتها الجهات المعنية بالإحصاء.

أصبح العدد مخيفاً، بعضهم يقول إن الذين غرقوا هذا العام فقط تجاوزوا عشرة آلاف شخص، فيهم أطفال ونساء، وفيهم رجال أرادوا أن يبنوا مستقبلهم هناك، في أوروبا، جنة العالم، حيث تتوافر شروط الحياة، وتعود للبشر قيمتهم التي انتزعت منهم قسراً، هناك في أوروبا ترى الذين وصلوا من قبل، أنهم يرتدون ملابس أنيقة، أقصد نظيفة، ويجولون في الشوارع، آمنين مطمئنين، يحملون بطاقات تسمح لهم بالبقاء في المدن التي كانوا يسمعون أسماءها في الأخبار، ولهم مكان يقيمون فيه ولا يدفعون لمالكه الإيجار، بعضهم يبيع ورداً أو حبوب ذرة لإطعام الحمام، يطاردون زوار الميادين، يطلبون الفتات، فهم لم يذهبوا إلى هناك ليعيشوا حياة الأثرياء المرفهين، ولم يمنوا النفس بالملايين فوق الأرصفة، ذهبوا ليجدوا شيئاً حرموا منه، إنسانيتهم، وحقهم في الحياة الكريمة.

كان الموت غرقاً هو الخط الفاصل ما بين حياة وحياة، وعندما يختار الإنسان أن يمر عبر ذلك الخط وبإرادته، فهذا يعني أن الموت يتساوى مع الحياة التي يعيشها في وطنه !!

Email