الفردان.. الاسم الرنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الذين اقتربوا من أحمد الفردان في الأشهر الأخيرة كانوا يعرفون أنه أوشك على إعلان الاعتزال، اعتزال العمل الرياضي، لأسباب تخصه ولأسباب تخصنا !!

لم يكن قرار ابتعاده كأمين عام لمجلس الشارقة الرياضي مفاجئاً لي ولكثيرين غيري ممن عرفوه.

الفردان أحد البشر القلائل الذين ليسوا في حاجة لمنصب رسمي لكي يعطي، فقد أدمن العطاء على مدار أربعين سنة أو يزيد، وهو أيضاً ليس من هذه النوعية التي من الممكن أن ينساها الناس، لمجرد الابتعاد عن المناصب الرسمية، فالفردان كان ولا يزال اسماً رناناً، سنظل نتونس به، وننهل من خبراته، ونستزيد بحكمته، سواء كان في موقع المسؤولية أو في البيت!

أنا هنا لست معنياً بتعداد مناقبه، فالرجل، أطال الله في عمره، لا يزال بيننا، لكن الذي استوقفني، أن يبتعد دون كلمة شكر، سواء بصورة رسمية أو شعبية، وهو الذي كرم الناس وشكرها، حتى هؤلاء الذين لم يكونوا يستحقون، شكرهم الفردان!

أعلم تماماً أن هذه النوعية من الرجال تزهد، وربما يستوي عندها الأمر، فهذه النخبة لا تريد في هذه المرحلة من العمر سوى وجه الله، لكننا لا يجب أن نركن لذلك، فللناس علينا حق، والنفس البشرية مهما صفت، تظل عالقة بها، شائبة الدنيا، فهل من الإنصاف، أن لا يجد أمثال هؤلاء الرجال كلمة الشكر إلا من رجال الإعلام على شاكلة ما يحدث الآن!

أكرمني الله سبحانه وتعالى أن أكون أحد المعاصرين لزمنه الجميل ولست أدري في أي خانة جميلة أضعه، وهو الذي كمن أمسك بالمجد من طرفيه، في مجال العمل الإداري، في كافة المؤسسات والهيئات الرياضية الكبرى، من هيئة الشباب والرياضة الذي كان أحد مؤسسيها الأوائل، إلى اللجنة الأولمبية الوطنية التي ارتبطت به دهراً، إلى اتحاد كرة اليد الذي كان رئيسه، ثم اتحاد كرة القدم الذي كان أميناً له، مترفعاً فيه إلى منصب النائب، إلى جوار الرئيس سمو الشيخ حمدان بن زايد في العصر الذهبي لكرة القدم الإماراتية.

لو لم يفعل الفردان سوى ما قام به في إيطاليا التي شهدت نهائيات كأس العالم 90، وشهدت معها مشاركة الإمارات للمرة الأولى، لكان ذلك يكفيه !

لو لم يفعل الفردان سوى ما فعله في »حفل العمدة«، عمدة مدينة إيمولا الإيطالية الشهيرة، التي كانت مدينة منتخب الإمارات سكناً وتدريباً وإقامة، ومن بعدها محافظة بولونيا، التي شهدت منافسات مجموعتنا في المونديال، ناهيك عن المؤتمر الصحافي العالمي، الذي شرف فيه بالحديث عن الدولة الصاعدة الواعدة، التي زاحمت كبار العالم، رغم أن عمرها الرسمي وعمرها الكروي لم يكن يزيد على 18 عاماً في تلك الأثناء، نعم لو لم يفعل الفردان في مسيرته الطويلة غير ذلك لكفاه !

كلمات أخيرة

في كتاب كرة الإمارات من الجذور إلى العالمية »الموسوعة الأولى التي وضعت تاريخ كرة الإمارات بين ضفتي كتاب«، فصل كامل للفردان تحت عنوان »اعترافات نائب الرئيس«، يقدم فيها وصفة علمية وعملية كاملة لما يجب أن تكون عليه كرة الإمارات بعد مونديال إيطاليا 90، استثماراً للمكانة الجديدة التي وجدت كرة الإمارات نفسها فيها..

وكان من أهم ما جاء في هذه المذكرة، ضرورة الأخذ بنظام الاحتراف والعمل به على الفور، كان ذلك في العام 1992، لكننا لم نعمل بما أوصى إلا في العام 2004 تقريباً !!

يلوذ الفردان بالصمت منذ سنوات، لا يرحب بالظهور الإعلامي، يرفض بدبلوماسية، كل الحوارات التي تتطلب الرأي والنقد، إنه الصمت الأبلغ من كل الكلمات، فنحن في زمن يمشي فيه كثير من الناس على رؤوسهم بدلاً من أقدامهم !

سيظل الفردان الاسم الرنان، هذا قدر الرائعين أمثاله.

Email