هل تراثنا ولهجتنا ولغتنا في طريقها للزوال؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تراثنا الذي نعني به ما ورثناه من العادات والآداب والفنون والعلوم، من أجدادنا الأولين، ووصلنا عبر الأجيال الماضية إلى الأجيال الحديثة، ثم سينتقل بدوره وبكل أمانةٍ وعفويةٍ، إلى الجيل الذي بعدنا، هو من أهم أسباب بقاء هُويّات الشعوب، وأحد أركان السعادة.

ولهذا تم اعتماد المحافظة على التراث كالعادات، من مؤشرات السعادة، لأنّ الشعوب التي لا تحافظ على تراثها تفقد هُويّتها، ومن فقد هُويّته فقد سعادته، ومن فقد السعادة، كيف سيشعر بقية الحياة؟!

تراثنا الذي يتلاشى تدريجياً أمام أعيننا ونحن لا نسطيع أن نفعل شيئاً لوقف انحداره وضياعه، قد فطن لأهميّته والدنا ومؤسس دولتنا المغفور له الشيخ زايد ـ طيّب الله ثراه ـ فلم يدّخر ذخيرةً إلا وأنفقها للحفاظ عليه لكيلا يضمحل ويتلاشى.

فأمر بإقامة فعاليات كثيرة من أجلها، فمن سباقاتٍ للهجن إلى برامج تلفزيونية، وحثٍّ على تعلم عادات الأجداد في البحر والبر، ودفع المرتبات لكل من يقوم بالأعمال التراثية، وفتح القرى التراثية وغيرها.

ولا يريد من هذا إلا المحافظة على تراث الأجداد من الضياع وقد نجح رحمه الله، وقد أعانه بقاء الجيل القديم حيّاً ومعيناً له في أعماله النبيلة، ولكنّ هؤلاء المخلصين رحل كثيرٌ منهم وبقي من بعدهم من هم أقلُّ حرصاً وفهماً للتراث القديم، ومما يزيد (الطين بلّةً) و(الخرس دلكة) كما نقول في عاميتنا أنّ الأجيال الجديدة لا يعرفون تراثهم، بل لا يهتمون به وفُتنوا بتقليد الغرب في عاداته القبيحة المشؤومة.

أما لهجتنا المحلية فإنّها تكاد تموت وتُقبر لأننا لا نستخدم إلا مفردات قليلةً منها، وبدأت المفردة التراثية الجميلة التي يرجع أصلها إلى اللغة العربية الفصحى لأنّها بنتها وبنت الصحراء كما يعجبني أن أسميها، والأدهى والأمرّ أنّ المفردات التي يستخدمها الشباب اليوم من اللهجة المحلية محرفة في نطقها واستخدامها.

لأنهم ابتعدوا كثيراً عن أهلهم بسبب المدارس الخاصة واختلطوا بغيرهم من القوميات في صغرهم وهو سن التعلم المبكر، أما الجامعات فإنّ لغة التعليم فيها لا تتجاوز اللغة الإنجليزية، مما تسبب في مصيبةٍ أكبر وهي ضياع اللغة كلها.

أما اللغة العربية فهي تعاني بشدة وبكل حزنٍ أقول لكم هذا، حتى أنّي أبكي في بعض المرّات حسرةً عليها، لأنّها تعاني الأمرّين من أهلها، فهم أكثر الناس عقوقاً لها واستخفافاً بها ونفوراً منها.

فواأسفاه عليها وعلى أمجادها وعلى جيلٍ هجر لغة الكتاب العزيز من أجل لغةٍ أشبه ما يكون بأصوات الآلات في المصانع، ترك لغة القرآن ولغة تاريخه ولغة أمجاده لكي يُقال عنه بأنه متحضّر، ألا قاتل الله الحضارة إذا كانت بقتل لغتي وهُويتي التي بقتلها نقضي على وجودنا في العالم.

مع هذا كله فهناك أبواب للأمل مفتوحة، وإنّي أثني على جهود حكومتنا الرشيدة وعلى جهود سمو الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم ولي عهد دبي ـ رعاه الله ـ على جميع ما يقدمه من خدمةٍ لحفظ التراث واهتمامه به، وأرجو من حكومتنا الكريمة الاهتمام أكثر بتراثنا ولهجتنا ولغتنا، وذلك بإنشاء وزارة للتراث الإماراتي لنحافظ عليه.

Email