نعم للعلماء المصلحين.. لا لدعاة الفتنة1-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

سألني أحد الأصدقاء ما هو الفرق بين العالم والداعية؟ ولماذا هذه التسميات والمصطلحات؟ وهل لمسمى الداعية أصل في التاريخ الإسلامي؟ وقد صار يكتب في البطاقات التعريفية لبعض "المطاوعة" في حين يكره العلماء المخلصون أن يمدحوا وأن يُزكّوا بلقب عالم ويكتفون بلقب طالب علم وسمعت بعضهم يصغر هذا اللقب ليمنع نفسه من الكبر وهو عالم متبحر في فنون الشريعة والقراءات واللغة فيقول لنا: "إنما أنا طويلب علم" فأقول: عجباً هذا الذي أسميه علّامة لمعرفتي بغزارة علمه يقول عن نفسه أنه "طويلب" وأولئك الذين يتجرأون على الفتيا ويجيبون عن كل مسألة ولا تكاد تسمعهم يقولون: لا نعلم، بل يبثون الحديث بعد الحديث في كل قناة وإذاعة ومجلة وصحيفة، وتطبع لهم الكتب كل يوم ولو كانوا عشرة علماء لما استطاعوا أن يؤلفوا ما يؤلف هؤلاء شهريا، علامتهم أنهم يحبّون الألقاب والمسميّات ويزعمون أنّ أحاديثهم هذه لوجه الله ونكتشف بعد ذلك بأنهم يجنون أموالاً كثيرة من وراء الإعلام وهي تشبع نهمهم من زيادة الشهرة والسمعة ثم نكتشف أيضا طمعهم في الزعامة السياسية لقلوب الناس الذين يظنون فيهم الصدق فيتبعونهم من غير أن يشعروا بأن من يتبعونهم يؤسسون لفتنة عظمى والعياذ بالله، قلتُ الفرق بين العلماء الربانيين الصالحين وهؤلاء الساعين للشهرة والزعامة واضح وكما قال الأول:

 

فحسبكمُ هذا التفاوتُ بيننا

                 وكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ

 

قلتُ لأحد هؤلاء العلماء: يا شيخنا إني أرى فلانا يكثر من الجدال والفتاوى والجعجعة، فابتسم وقال لي: "يا بُني إنّ قربة الماء إذا لم تمتلئ فستسمع لها قعقعة كثيرة، وكذلك طلبة العلم إذا لم يتزودوا بالعلم الصحيح فإن هذرهم سيكون كثيرا بالحقّ وبالباطل، واحذر يا جمال من الكلام في الحلال والحرام إلا بعلم ولتجعل الصمت سبيلك لأن أمر الشريعة عظيم فعظّمه في قلبك".

بعد مرور السنوات على مقولة هذا العالم وجدت أنّ الأمر يزداد سوءاً ورأيت وجوهاً كثيرةً تصدّرت الآن القنوات الفضائية وصارت لها شعبية وتلاميذ من خلال الشاشة السحرية وقد تحكموا في عقولهم بشكل غريب حتى أنك لو ناقشت أحداً من هؤلاء الذين يسمّون أنفسهم بالداعية (زعموا) في المقهى العالمي "تويتر" أو في "فيسبوك" أو كتبت مقالا تنتقده في خطأ ما جاءك أنصاره يهرعون وشتموك ونعتوك بأقبح الألفاظ فأقول: بئس الداعية وبئس الأتباع، اللهم لا تكثر من أمثالهم في أمة محمد عليه الصلاة والسلام الذي يقول: "ليس المؤمن باللعّان ولا بالطعّان ولا بالفاحش ولا البذيء".

مع وجود هذا الغثّ من دعاة الفتنة لا بدّ أن يقيّض الله لهذا الدين من يحميه من القادة الأمراء والعلماء الذين يأخذون على أيدي السفاء ويأطرونهم (يعطفونهم) على الحق أطراً ويبينون للناس صواب الآراء من محالها ويقفون مع طلبة العلم الصادقين ضد هؤلاء المتنفعين الطامعين، ولهذا أنا لست خائفا على دين الله بل أخاف على هؤلاء السذّج الذين يسيرون وراء قوم من القُصّاص وليسوا علماء؛ يرون الحق بأعينهم فيتجاهلونه ويحفظون نصوص الأحاديث الصحيحة الثابتة عن سيد المرسلين في وجوب لزوم الجماعة وطاعة ولي الأمر وعدم التشهير به وأن ينصحوه فيما بينهم وبينه ولكنهم يرتضون طريقة الشيوعية الماركسية والماسونية العالمية في التشهير بالحكّام وذمّهم على رؤوس الأشهاد ويتركون أتباعهم الجهّال يكملون الباقي بالطعن واللعن وفحش الحديث. وللمقالة بقية.

Email