الفيلسوف الألماني «نيتشه»: المرأة فخٌّ نصبته الطبيعة 1-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذكرت لكم أيّها الأعزاء أنّ كبار الفلاسفة مثلهم كمثل باقي البشر، يتأثرون بمحيطهم الصغير فيصدرون أحكاماً بناءً على مشاهداتهم وانفعالاتهم ومشاعرهم الخاصة، وليس كلامهم وحياً معصوماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بل هو حصيلة خبرة أدركوها بقواعدهم العلمية ويتخللها كثير من أحاسيسهم، وتحتاج إلى تبيين وشرحٍ للظروف التي مرّوا فيها.

وكلامي هذا لا يعني أنّ ما سجلوه من مشاهدات ومقولات وما أخرجوه من مؤلفات، لا تفيد الناس ولا تنفع المجتمعات والإنسانية، بل هي مفيدة جداً ولكن يجب علينا ونحن نقرأها أن لا ننجرف وراء بعض ما يشذّ من أقوالهم أو ما يكون غريباً جداً من نظرياتهم، فكلُّ واحدٍ منا صاحب فكرٍ بالفطرة، ونحن كذلك مسلمون بالديانة ولدينا قواعدنا التي ندندن حولها، فلا مانع من الاستفادة منهم ما لم يصلوا إلى «الهرطقة»، ولا بأس من أخذ علومهم ما لم تعارض أقوالهم شريعتنا السمحة وعاداتنا الراقية، وهذا الأمر لا يختلف عليه أهل العلم والعقل.

من أكبر فلاسفة ألمانيا في العصر الحديث الفيلسوف والشاعر «فريدرك فيلهيلم نيتشه»، وهو من الأهميّة في علوم اللغويات والفلسفة وعلم النفس بمكانٍ لا يخفى على كل دارس للفلسفة الحديثة، بل أفكاره غذّت ولا تزال تغذي كثيراً من التيّارات الفكرية، لأنّ لها لغة وأسلوباً وطُرُقاً تجعلُ من لا يذعن لأمرٍ يذعن له بكل أريحية، فمن هو «نيتشه»؟ وما سبب عدائه للمرأة؟

ولد «نيتشه» سنة 1844م في مملكة «بروسيا» الألمانية، وفي عائلة ينتسب كثير من أفرادها إلى الكنيسة ومنهم والده ووالدته، حيث كان والده أحد قساوسة المذهب البروتستانتي المسيحي، يعلّم أبناء الملوك ومن شدة تأثره بالعائلة المالكة قام بتسمية ابنه هذا باسم الملك فريدرك الكبير، حيث صادفت ولادته يوم ولادة الملك، ولعلّ هذا الانتساب الشديد من العائلة للكنيسة كان له الأثر الكبير في أقوال «نيتشه» وأفكاره بعد ذلك، حيث صار من أشد المتعصبين ضد الكنيسة أو قل ضد الأديان بشكلٍ أكبر، وهذا كما قدّمت لكم في أول المقال حيث يؤثر المحيط الصغير في أقوال كبار الفلاسفة ويقوم بعضهم بالخروج عن القواعد المعروفة، ثم يبدأ بالتحيّز والتطرّف لأسبابٍ قد تكون تافهة!

توفي والد «نيتشه» سنة 1859م وهو لا يزال في المدرسة، فكانت وفاته انقلاباً في حياته وسبباً لتحوّله إلى النظرة التشاؤمية، ولكنّه أصرّ وتابع دراسته الجامعية ودرس علم «الفيلولوجيا» وهو علم اللغة المقارن، ما مكّنه ليكون أحد كبار اللغويين بعد ذلك، وتأثّر جداً في هذه الفترة بالفيلسوف الألماني المعروف بالتشاؤم «آرثر شوبنهاور» 1788-1860م، ومن الطبيعي أن ينجذب إلى مؤلفاته فوضعه النفسي يدعوه إليه وبقوّة، حيث يجد في أقوال «شوبنهاور» ما يغذي فكره ويزيد من نظرته السوداوية للحياة، ولم يكتف بذلك بل قام بدراسة التاريخ الإغريقي، ما جعله يتمرّد على الكنيسة ويراها سبب البلاء، وأصبح ممجداً للقوة والفنّ كما كان يفعل الإغريق.

ومن العجيب أنه انشغل بدراسة الموسيقى وحاول أن يؤلف ألحانها، فتعرّف إلى الموسيقي الألماني الكبير ريتشارد فاغنر 1813-1883م، الذي لازمه فترة من حياته ثم انقلب عليه، وكان أيضاً ممن أدخل الجيش مع ضعف بصره، ولكن بسبب تعرضه لحادثٍ أخرجه القائد منه، وبهذا يكون «نيتشه» في أول شبابه قد جمع بين اللغة والفلسفة والفنّ والعسكرية وهو في أول حياته. وللمقالة بقية..

Email