اعتداء آثم وجرح لا يندمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يرى البعض حكم محكمة ساوثوارك اللندنية بالسجن مدى الحياة على فيليب سبينس، المتهم الرئيس في «جريمة المطرقة» التي اعتدى خلالها على الشقيقات الإماراتيات الثلاث: خلود وعهود وفاطمة النجار، في أبريل الماضي في لندن، في غرفتهن بفندق كامبرلاند البريطاني، عادلاً ومستحقاً، لكن قطعاً لن يكون كذلك بالنسبة للمعتدى عليهن وذويهن بل ولنا جميعاً.

فما عشناه من آلام من جراء ذلك الاعتداء البشع الذي استهدف قتلهن بدافع السرقة، كان كبيراً للغاية، وأقل ما يمكن القول عنه هو ما ذكرته خلود النجار عقب النطق بالحكم، إنها شعرت بأنها فقدت كل شيء في تلك الليلة التي كانت كمشهد من فيلم رعب شديد، فلم تعد تستطيع الاستمتاع بالحياة، كما فقدت قدرتها على رعاية صغارها كما كانت، فقدت وظيفتها لعدم قدرتها على أداء عملها، والأهم من كل شيء شقيقتها عهود التي فقدت 95% من وظائف الدماغ فأصبحت طريحة الفراش وقد فقدت القدرة على كل شيء، وكل ما تستطيع فعله هو الإمساك بيد تلامس يديها وكأنها لا تريد فراقها أو تخشى أمراً، فلا تريد أن تبقى وحيدة.

ولا شك أن نجاة الأخوات من وحشية المجرم قد كانت أعجوبة، بفضل العناية الإلهية وما تلقينه من رعاية طبية عالية المستوى، إلا أن مرارة ما ألم بهن وما مررن به وما قاسينه من معاناة، فإنه حتماً سيبقى معهن ما حيين، ولن يتمكن أي شيء من أن ينسيهن لحظات الرعب وما تبعها من آلام وأحزان، فإن كان ذلك حال من سمع بالاعتداء وقرأه عبر وسائل الإعلام فما بالنا بمن عاشه، حقاً لا نملك سوى التعاطف مع الأخوات وأسرتهن ومشاطرتهن آلامهن والدعاء لهن بأن يلهمهن القوة على تجاوز آثار ذلك الاعتداء الوحشي.

وتبقى العبارة التي رددتها الشقيقتين بعد النطق بالحكم «إنهن شعرن بفقدان كل شيء في تلك الليلة» هي الأصدق، فلا أقسى من أن يفقد المرء الأمان وبفقده يستمر مسلسل فقد كل شيء، فلا متعة للحياة من غيره، بل لا حياة من دونه، والسجن المؤبد للمجرم أيضاً لا يعني بالنسبة لمن تجرع الألم على يديه شيئاً، وفي حالة الإماراتيات حتى لو أعدم المجرم، لن يشفي ذلك غليلهن، فمأساتهن ستبقى معهن مدى الحياة، لسن في حاجة لبقاء المجرم حياً حتى يتذكرن ما مر عليهن، فالجريمة ماثلة أمام أعينهن على الدوام، والاعتداء بكل ما حمل من آثار وبشاعة ورعب وأكثر من ذلك سيبقى في دواخلهن مهما حاولن محوه.

Email