لماذا نخاف من الذكاء الصناعي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تعاملت مع تطبيقات الذكاء الصناعي مؤخراً؟ دعني أفاجئك بمثالين، الأول البوابة الإلكترونية في مطار دبي، والثاني بوابات التعرفة المرورية سالك، وهذان مثلان في غاية البساطة على الذكاء الصناعي إلى حد أن البعض يترفع عن وصفهما بالذكاء الصناعي لكنهما يقدمان نموذجاً مبسطاً لما يمكن أن يضيفه هذا العلم التطبيقي الواسع جداً إلى حياتنا اليومية.


فمن تقنيات التعرف على الوجوه إلى الترجمة الآلية الفورية بين الأشخاص وكل ما يتصل بمعالجة اللغات الطبيعية، إلى التنبؤات الجوية الدقيقة، وتوقعات السلوك البشري، ودراسة السيرة الجينية والتنبؤ بمساراتها لتسهيل علاج الأمراض المستعصية والتنبؤات المستقبلية عموماً، إلى تبسيط وتيسير الخدمات العامة والحكومية المختلفة مثل المركبات ذاتية الحركة (بدون سائق) وغيرها، أصبح الذكاء الصناعي اليوم جزءاً لا غنى عنه ليس فقط من حياتنا الحاضرة وإنما أيضاً من مستقبل حياتنا وحياة أولادنا.


وللأسف فإن كثيراً من المخاوف التي يسوقها البعض للتحذير من الذكاء الصناعي مرتبط بفهم خاطئ لفكرته، ويكون في الغالب من باب الخشية من فقدان الوظائف متأثرين بصورة مصانع السيارات التي تتحول للأتمتة (وليس للذكاء الصناعي)، وهي خشية مبالغ فيها، لأن ما يتم عملياً هو استخدام أدوات الذكاء الصناعي لتيسير الأعمال وزيادة فعالية الموظف وليس إحلال الآلة مكانه.


ولنأخذ مثلاً القراءة الآلية للحروف، وهي أبسط تطبيق للذكاء الصناعي وتسمح لنا بمسح جوازات السفر المقروءة آلياً وإدخال بياناتها في قواعد بيانات المسافرين، مغادرين أو قادمين. تخيل لو أن موظفي جوازات المطار يضطرون لإدخال كل تلك المعلومات يدوياً مقابل إدخالها عبر «السكانر» في فترة زمنية لا تتعدى الثانية أو الاثنتين. وعندما يكون مطارك يستقبل عشرات الملايين سنوياً فإن الذكاء الصناعي (بكل تطبيقاته وليس فقط القراءة الآلية للحروف) يصبح خياراً إلزامياً وليس ترفاً.


ومن الطبيعي هنا أن نستذكر أن الميزة الأهم للذكاء الصناعي هي في تيسير حياة الناس وتحسينها، مهما اختلفت مستوياتهم الحياتية أو الوظيفية أو المعرفية، وسأتحدث هنا بصراحة، فمثلاً نحن في دبي نقوم بإعداد قاعدة البيانات الجينية العربية، ولكم أن تتخيلوا حجم الفائدة التي يضيفها الذكاء الصناعي هنا لكي يتم دراسة أنماط مرضية جينية معينة للمساعدة في شفائها ومعالجتها، أو حتى تجنبها إذا ارتبط بمعادلات زواج وراثية معينة.


ولكن هذه أمور كلها تحتاج إلى قوننة وإلى ضوابط تشريعية ورسمية، وقبل ذلك إلى خطط واستراتيجيات وطنية تضعها في مسارها الصحيح وتضمن أن يستفيد المجتمع الإماراتي منها أفضل فائدة. وهذا هو السر في تأسيس وزارة دولة للذكاء الصناعي فالقضية لم تكن مجرد رغبة في الشهرة أو اتباع الموضة وإنما لأهمية وجود مأسسة حكومية تعالج الجوانب التشريعية والتنظيمية وليس فقط التطبيقات التكنولوجية. وعملياً فإن هذه الوزارة تستكمل عمل وزارتي السعادة وجودة الحياة، والتعليم العالي والمهارات المتقدمة.


هذا لمن يفهمون ويريدون أن يستفيدوا من الذكاء الصناعي لتحسين حياتهم، أما بعض بني الجوار الذين لا يفقهون ما هي القصة ويتجهون إلى السخرية والتعريض بالإمارات، فلا داعي للتذكير أنهم لا زالوا لم يبلغوا بعدُ مرحلة الغباء الطبيعي، فكيف لهم أن يفهموا ما هو الذكاء الصناعي إذن؟!

 

Email