عظيم الجزاء في الابتلاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

أطلق الطفل المصاب بالتوحد صرخات قوية بسبب رغبته في تقليد بعض الشخصيات الإجرامية الموجودة في إحدى الألعاب الإلكترونية، ولأنه لم يفز في اللعبة بدأ بكسر الأقراص المضغوطة CD واحداً تلو الآخر، فينهال عليه والده بالضرب لا إرادياً، ونظراً إلى عدم قدرة طفل التوحد على التعبير وافتقاره لأبجديات التواصل مع الآخرين ظل يدفعه بقوة.

يردد والد الطفل المتوحد في لحظة شعوره بالذنب أن طفله لم يكن عدوانياً بهذا القدر من قبل ولكن بدأ سلوكه بالانحدار نحو الأسوأ مع بداية إدمانه لهذه الألعاب الإلكترونية.

للأسف عندما يتسبب طفل التوحد بمشكلة معينة يبدأ الوالدان بتعنيفه من باب تقويم السلوك، ظناً منهما أنه سيخضع، ولكن طفل التوحد لا يتأثر بردود فعل الآخرين؛ فعندما يكون أمامه شخص غاضب أو يبكي لا يتأثر ولا يلتفت له إطلاقاً، بعكس الطفل الطبيعي الذي تظهر عليه علامات الغضب أو الاستياء.

وإذا كان تأثير الألعاب الإلكترونية العنيفة مدمراً لسلوك الطفل الطبيعي فما بالك بالطفل الذي يعاني من إعاقات حركية أو نفسية أو عقلية؟ الأطفال بطبيعتهم يقلدون السلوك العدواني الذي يشاهدونه، لذا فإن كليهما يحتاج إلى ضبط السلوك ابتداءً من مراحل الطفولة المبكرة.

على الرّغم من وُجود العَديد من الفوائد والإيجابيّات للألعاب الإلكترونية إلا أنّ لها جوانب سلبيّة متشعّبة تظهر آثارها على الفرد خاصّةً وعلى المُجتمع عامةً، لأنها تُنمّي لدى الطفل العُنف وحسّ الجريمة؛ فالنّسبة الكُبرى من هذه الألعاب تَعتمدُ على تسلية الطفل واستمتاعه بقتلِ الآخرين، وتُعلّمهم أساليب وطُرق ارتكاب الجريمة، فتغرس في عقولِهم العُنف والعدوان من خلال كثرة ممارسة هذه الألعاب وبشكل مستمر، فيكون الناتج طفلاً عنيفاً وعدوانياً.

وللأهل تأثير كبير في حالة طفل التوحد، لذا يتطلب منهم المشاركة الدائمة لهم في كل شيء وخصوصاً في الألعاب الإلكترونية لمعرفة محتواها فيتم اختيار الألعاب التي تحفزهم بشكل إيجابي، ويتوجب على الأهل مشاركتهم لحظات قضاء وقت أطول بين أفراد العائلة لتقوية الترابط بينهم.

قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ». فمن أشد الابتلاءات هو الابتلاء بمرض الأطفال، وهي علامة من علامات حب الله للعبد. فإذا علم العبد أن ذلك المرض أو البلاء سيكون سبباً في رفعة درجته وزيادة ثوابه، هان عليه ما يجده من مشقة وعناء وألم في الدنيا.

أقوى نصيحة يقدمها المعالجون للآباء الذين لديهم طفل مصاب بالتوحد هو أن لا يسمحوا للتوحد بأن يكون كل حياتهم؛ فالحياة الزوجية مليئة بالضغوطات والعقبات في ظل وجود طفل مصاب بالتوحد. بالتأكيد إن الحفاظ على الحب والمودة قد يكون صعباً تحت هذه الظروف، ولكن تذكرا أنكما ذات الشخصين اللذين تزوجا وغرما في حب بعضهما، واضطراب التوحد الذي أصاب أحد الأبناء لن يفرقكما.

Email