تقدير الأم لذاتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

«عزيزي الرجل، لن تكون جديراً أبداً بأنثاك ما لم تستشعر اجتياحك الدائم لقلبها وعقلها، جواز سفرك الوحيد لعالمها، هو التنامي في تفكيرها ومشاعرها»، د. سحر الخشرمي.

تتنازل خريجة الثانوية العامة عن طموحها وتدفنه في بلدها، وتسافر مع زوج المستقبل لتستقر معه في بلده، بالرغم من غصتها وحزنها على عدم تحقيق حلمها في استكمال دراستها الجامعية. يمضي الوقت بسرعة خاطفة، وتصبح أماً لطفلين، فتكرس حياتها لتربيتهم وتلبية متطلباتهم، وتنسى نفسها في زحام هذه الحياة، وتهمل صحتها ونفسها.

وفي يوم التقت بصديقتها في تجمع إحدى صديقاتها، وأخبرتها بأنها تقضي جل وقتها في تربية أبنائها، لذا لم تسعفها الظروف لاستكمال المرحلة الجامعية، فتردد على مسامعها عبارة مؤلمة، تدق أطناب الحسرة «حالك يا عزيزتي مثيرٌ للشفقة، كيف لم تكملي المرحلة الجامعية حتى الآن، وأنت مثابرة ومن المتميزات؟، حين يكبر الأبناء ستعضين على أناملك ندماً»، تشعر فجأة الأم المكافحة، بأنها أهملت نفسها كثيراً، وتشك في طريقة تربيتها لأبنائها.

وهل الأم التي وضعت مصلحة أطفالها في قمة أولوياتها لحرصها على تربيتهم في زمن العولمة والفيضان الإعلامي المخيف، مثيرة للشفقة، وهل تعتبر مقصرة في حق نفسها؟.

ما أقسانا نحن البشر، حين نحكم على الأشياء بناءً على ظاهرها، فقد يخدعنا الظاهر أحياناً، فلا نفكر لحظة أن ننظر في جوهر الأشياء، فما نشاهده بأعيننا ونسمعه بآذاننا، قد لا يثبت أن البعض يمتلك فن التعامل الناجح مع الأبناء في مرحلة الطفولة، لذا، لا يجدر جلد النفس، بل فهمها وتطويرها من غير الإجحاف في حقها.

وللأسف، يوجد اعتقاد خاطئ في مجتمعنا، قائم على أن الأم ينبغي أن تنسى عالمها الخاص، وتكرس حياتها لأطفالها، الذي قد يعودهم على الأنانية وعدم تحمل المسؤولية، فتلقى كل الأعباء على عاتقها، ما يسبب لها التعب الجسدي والنفسي لكثرة الضغوطات، فاهتمام المرأة بنفسها، لا يعتبر تقصيراً في حق أبنائها، بل يعطيها دافعاً أكبر للبذل والعطاء.

أغلب النساء في مجتمعنا لا تهتم بنفسها سوى في فترة الخطوبة وبداية الزواج، فيكون اهتمامها بأناقتها وجسمها، ولكن مع بداية الحمل، يبدأ تراجع الاهتمام بالنفس.

على الأم أن تدمج بين حياتها الشخصية والاهتمام بتطوير ذاتها، إلى جانب مهامها كأم ومربية، فهما يجتمعان، وليس بالضرورة أن يفترقا. وعليها دوماً أن تطور ذاتها من خلال الاهتمام بصحتها وعلمها وتعليمها، من خلال مطالعة الكتب والمشاركة في الندوات والمحاضرات، الذي سيساعدها على تطوير ذاتها وصقل شخصيتها.

ويقع على الزوج عبء كبير في الدعم النفسي الذي تحتاجه الزوجة حتى لا تشعر بالإحباط، وهو دعم متواصل لا يتوقف عند مرحلة معينة من العمر، يليه دعم الأبناء بعد أن يصبحوا في عمر واعٍ، يستطيعوا أن يقدموا فيه الدعم المعنوي الحقيقي لأمهم، بدون تكلف أو اصطناع، وذلك كفيل أن يبث في نفس الأم مشاعر الرضا والسعادة.

 

Email