مدمن حب الذات

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحب إما أن يرفع صاحبه إلى القمة، أو يسقط صاحبه في الهاوية، والطريق الصحيح في الحب إن كان للذات يجب أن يشمل حب الخير للنفس الذي يؤهله إلى حب الخير للآخرين بعيداً عن أمراض القلوب من أنانية وحقد وحسد وغيرها من الصفات المهلكة لصاحبها قبل الغير. وثمة خيط رفيع بين النرجسية وحب الذات المرضي، وبين الثقة بالذات التي تعطي الإنسان التوازن الذي يحتاجه في الحياة دون التأثير سلباً على العلاقات الإنسانية.

إن سلطنا الضوء على مواصفات الشخصية النرجسية لوجدناها شخصية محبة لنفسها ومعجبة بها لدرجة تصل إلى العشق، فهي تتمحور حول ذاتها وتفرط في الإعجاب بنفسها على حساب الآخرين.

للأسف الشديد، إن أكثر الناس يعانون من الشخص المصاب بالنرجسية، وهم كالأطفال فإما أن يتم اعتبارهم امتداداً لهم بتعظيم سلوك الأطفال والاحتفال بإنجازاتهم مهما كانت بسيطة بابتلاع كامل لشخصية الطفل وراء كيانه، أو أن يتم معاملته ككبش فداء لأنه دائماً الملام على أغلب مشاكل العائلة، وكأن ليس له شخصية مستقلة تحتاج للاهتمام والشعور بالأهمية، وهذا ما يسبب له الكثير من الإرباك والسعي الدائم لإرضاء الغير حتى حين يصل إلى سن الرشد.

من المؤلم أن يفهم الطفل في سن مبكرة أن سبب وجوده هو تلبية رغبات الأم أو الأب النرجسي، وهي الحقيقة المرَّة التي سيستوعبها بعد سنين طويلة من المعاناة والإحباط، ولكن حتى يصل الطفل إلى وقت إدراك الأمور فإنه سيبذل المستحيل لإرضاء الوالدين، حتى ولو كانت العلاقة معهم ضعيفة ومهزوزة، لأنه لن يشعر بحبهم واهتمامهم إلا إذا حقق الأهداف التي ترضيهم، فعدم رضاهم يتسبب في العقاب والمقاطعة.

التمييز وعدم العدل في تعامل النرجسي مع الأبناء هي إحدى المشاكل التي تولد الحقد والكره بين الأبناء ووالديهم مدى الحياة. فالنرجسي يستخدم ضعف وحساسية الأطفال لغرض استغلالهم والاستهزاء بهم أمام الناس، وهو حريص على أن يجعلهم معتمدين عليه كلياً ليضمن استمرار تحكمه بهم.

النشوء في هذه الظروف يجعل من هذا الطفل الذي كان يعاني من الإساءة ومرارة العيش أن يكون حين يكبر مصاباً بإحدى الحالتين، إما أن يكون بصفات نرجسية، أو أن يصبح بحاجة للاعتماد على الآخرين ونيل رضاهم.

التعافي من آثار الطفولة السلبية قد تتطلب صبراً وجهداً، فعدم إشباع الحاجات العاطفية للأطفال لمدة طويلة يجعل الشفاء صعباً ولكنه ليس مستحيلاً.

Email