عطني من وقتك شوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن الحاجة إلى الحب والاهتمام، حاجة فطرية عند الإنسان، فمن منا لا يحب أن يحظى بالاهتمام؟

إذا كان الكِبار يحتاجون إلى الاهتمام والحب لأنه يشحنهم بطاقة إيجابية ويحصِّنهم ضد مشاعر الاستياء والحزن، فما بالكم بالأطفال الذين يحتاجون إليه بشكل مضاعف لكونه حاجة نفسية تمنحهم الشعور بالأمان والثقة بالنفس، وتعَّد جزءاً من المرحلة التربوية.

ما قد يحدث اليوم في بعض العائلات، ترفض الطفلة أن تلقي التحية على بعض أفراد العائلة، فيغضب الأب ويعنفها لفظياً بقوله: «على منو بتطلعين، على أمج طبعاً»، من غير أن يعي مدى خطورة هذه الكلمات على نفسية هذه الطفلة على المدى البعيد، والتي تُلقى في سلة عدم الأهمية. الأسرة اللبنة الأولى في بناء المجتمع والمؤسسة الاجتماعية التي يكتسب من خلالها الطفل معايير الخطأ والصواب. ولكن كيف يكون هذا الطفل من الشخصيات المجتمعية الإيجابية إذا كان ينقصه جانب أساسي، وهو الحب والاهتمام والشعور بالأهمية.

لا أقصد التندّر قدر ما أود الإشارة إلى عواقب نقص الاهتمام والعنف اللفظي على الطفل الذي يتغذى منذ نعومة أظفاره في كل مرحلة عمرية على حب وحنان الأسرة، فلا يحتاج أن يبحث عنه عند الأغراب في خارج البيت، الأمر الذي قد يلقي به في الهاوية.

«سلوك الأبناء له جذور كامنة مستترة تدفعه وتوجهه نحو أغراضه». فالسلوك الظاهر من الأبناء مثل قطعة الجليد الظاهرة على السطح، والناتجة عن جبل الجليد الضخم القابع في أعماق البحر، وهي رغبات الأبناء الملِحّة التي قد تُهمش أو قد لا تُأخذ بعين الاعتبار من قِبل الوالدين.

تتكرر سلوكيات الأطفال في طرق سحب ضوء اهتمام الوالدين، فتصرفاتهم ما هي إلا نتاج رغباتهم الخفية التي يكون لها دور كبير في تحريك سلوكياتهم الظاهرة إيجابية كانت أم سلبية. بعض التصرفات تكون عِدائية وغير قابِلة للضبط والتحكم، وبعضها إيجابية وتستحق الثناء، وكلاهما في نهاية المطاف يشبعان رغبة الطفل بالاهتمام والانتماء، وهذا يلفت انتباه الوالدين. قد يقوم بعض الأطفال بإطلاق صرخة في تجمع عائلي لرغبته الملحة في لفت انتباه الوالدين، وهو أحد الاختيارات السلوكية التي قد أسهم المربي في تحويلها إلى اختيار يلجأ له الطفل لتحقيق مطلبه ومبتغاه. فردة فعل الوالدين على مثل هذا السلوك بالقسوة والإهمال لها أثر كبير في تحديد السلوك الذي سيتبعه الطفل لتحقيق حاجاته.

نتناسى في خضم الانشغال اللامنتهي لأبعاد الصورة الكبيرة في الاهتمام بشؤون أطفالنا الاجتماعية والنفسية، والتي هي أحد المؤشرات التنموية الأساسية التي تعكس مدى رقي وتحضّر أي مجتمع، ففي أغلب الأوقات نتذمر لسلوك الطفل السلبي الذي لا يطاق من غير أن نتيقن أن رفض الأطفال للخلود إلى النوم، وتلفظهم بكلمات غير سوية، أو الصراخ وغيره، ما هي إلا رسالة للوالدين بعنوان «عطني من وقتك شوي».

Email