استئصال الإرهاب من الشرق الأوسط

وصفة بحثية موجهة إلى الشرق الأوسط والعالم

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يتناول هذا الكتاب ظاهرة الإرهاب التي أنشبت مخالبها في أرجاء الشرق الأوسط من منظور متعدد الأبعاد: وفي مقدمتها البعد الذي يراه الكتاب جوهرياً من حيث اتصاله بالدين الإسلامي الحنيف الذي يعتنقه ما يصل إلى مليار ونصف مليار نسمة على مستوى العالم.

حيث يؤكد الكتاب على ضرورة تفعيل فضيلة الاجتهاد والأخذ بنهج التعامل المستنير الواعي مع تعاليم هذا الدين الحنيف الذي يدعو في جوهره -كما توضح فصول الكتاب- إلى قيم التسامح واستخدام العقل والانفتاح على سائر الأقوام والحضارات الإنسانية.

ومن هذه الأبعاد ما يتصل بضرورة، بل حيوية، المشاركة في استئصال جرثومة الإرهاب من الكيان الشرق أوسطي: أولاً من حيث إن هناك في أرجاء تلك المنطقة من لا يزال يعاني من الآثار السلبية المتخلفة عن الحقبة الكولونيالية التي سبقت إلى فرضها على المنطقة قوى الاستعمار الأوروبي حتى بعد منتصف القرن العشرين.

وهو ما يفرض على تلك القوى الاستعمارية- الأوروبية السابقة ضرورات التعاون للقضاء على الإرهاب في الشرق الأوسط، فضلاً عما أصبح يلحق تلك القوى ذاتها من آثار سلبية، سواء من جراء حوادث الإرهاب أو من خلال ما يفد إليها من موجات البشر الفارين نجاةً بحياتهم من غائلة الإرهاب.

ويخلص الكتاب أيضاً إلى التأكيد على أهمية إجراء الإصلاحات الدستورية والقانونية فضلاً عن الاقتصادية – التنموية، وهو ما يرفع مستويات معيشة مواطني الشرق الأوسط ويحرم الإرهابيين من تجنيد عناصر الشباب الساخطة المنتمية إلى تلك المنطقة.

كان يوماً قائظاً بكل معنى الكلمة من أيام يونيو عام 1914، ففي مستهل الشهر المذكور، استقبلت مدينة سراﻳﻴفو البلقانية زيارة ولي عهد إمبراطورية النمسا والمجر، الأرشيدوق فرانز فرديناند.

جاء الأمير المذكور ليتفقد القوات الإمبراطورية المرابطة في إقليم البوسنة والهرسك الذي بادرت النمسا إلى ضمّه لأملاكها في عام 1908، وهو ما أشعل نيران الغضب في نفوس العناصر المحلية من سكان الإقليم المذكور.

في الثامن والعشرين من يونيو، اخترق موكب ولي عهد النمسا فرانز وزوجته صوفي شوارع سراﻳﻴفو، كان الموكب فخماً وسط خيلاء السلطة الإمبراطورية، ثم وقع الحادث الخطير على يد شاب من أهل البوسنة يدعى غافريلو برنسيب الذي ظل كامناً في إحدى زوايا الطريق، وحين وصل موكب الأرشيدوق، اقترب برنسيب من العربة المطهمة بالشارات الذهبية وأطلق النار ليغتال الأرشيدوق وقرينته صوفي.

وشكل حادث الاغتيال الشرارة الأولى التي أشعلت النيران الرهيبة في كل أنحاء أوروبا وحملت العنوان التالي: الحرب العالمية الأولى (1914- 1918). وتطلق عليها الحوليات التاريخية في العالم العربي اسماً مميزاً هو: «الحرب العظمى».

بداية لعنة الإرهاب

ومن جانبها فإن الحوليات العالمية تعمد إلى الربط بين حادثة الاغتيال في سراﻳﻴفو وبين الظاهرة التي أرقت العالم على مدار القرن العشرين وما زالت تقّض المضاجع في أنحاء الدنيا بأسرها بعد أن حملت عنوانها الخطير وهو:

«ظاهرة لعنة الإرهاب»، وهي لعنة الاعتداء من أجل إزهاق الروح البشرية مع التذرع بشعارات ودوافع ومبررات تساق باستمرار لتبرير الاغتيال، سواء كانت مبررات ترفع شعارات العقائد الدينية أو المنطلقات القومية أو الذرائع الوطنية.

على أن المأساة التي يكابدها عالمنا في المرحلة الراهنة باتت تتمثل في أن الإرهاب لم يعد مقصوراً على حوادث أو سلوكيات فردية تتّبعها عناصر مفعمة بشحنات من البغض اللاإنساني، ولكن الإرهاب تحّول، ربما منذ نهايات القرن المنصرم ومع استهلال الألفية الثالثة، إلى سلوكيات إجرامية اكتسبت أطراً مؤسسية تجسّدت بدورها في شكل جماعات ومنظمات ومنظومات مزودة بأساليب وأسلحة العصر.

وهو ما أدى إلى استفحال هذه الظاهرة الإجرامية، ناهيك عما اكتسبته من إمكانات في مجالات الإعلام والاتصال، وبما أتاح للمدّ الإرهابي الراهن سبل الترويج وإمكانات التبرير أو التسويغ فضلاً عن إمكانات التجنيد لنوعيات جديدة تضم عناصر من المتعلمين والمدربين.

لهذا أصبحت ضرورة الوقت تؤكد، بل وتلّح، على أهمية أن يحشد عالمنا كل ما يسعه من جهود وإمكانات من أجل مواجهة هذا السرطان الوبيل الذي يهدد بالفتك أسلوب الحياة وأرواح الأحياء فوق سطح كوكبنا الجريح.

من هنا لا يزال الشعار المحوري مرفوعاً بكل تأكيد وبكل إصرار وهو: القضاء على الإرهاب، وهو ما يضفي أهمية على المقولات التي يطرحها الكتاب الذي نعايش طروحاته في هذه السطور، خاصة وقد حمل عنواناً مباشراً هو: «استئصال الإرهاب من الشرق الأوسط».

السياسة والإدارة

وكان طبيعياً أن يستند المؤلف إلى تخصصه العلمي، حيث أضاف أيضاً إلى عنوان الكتاب عبارة تفيد بما يلي: المناهج المتبعة من حيث السياسة والإدارة.

ثم كان بديهياً أن يتمثل اتباع تلك المناهج في عكوف المؤلف عن تحليل العوامل التي أسهمت، وتسهم، في نشوء ظاهرة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط من خلال دراسات إفرادية أو دراسات حالات كما يقول المصطلح البحثي المتداول، وتستند بدورها إلى بيانات أمبريقية أي مستقاة عملياً من صُلب الواقع الميداني الذي تعيشه أو فلنقل تعانيه، الشعوب الشرق- أوسطية، وهي في غالبيتها العظمى شعوب عربية ومسلمة بالدرجة الأولى.

استراتيجية النَفَس الطويل

من هنا يستهل المؤلف بحوثه مسترعياً اهتمام كل القوى والدوائر صاحبة المصلحة في التصدي لآفة الإرهاب، إلى حيث لا تقصر جهودها على مجرد المجابهة المسلحة أو التصدي بالأساليب العسكرية، ولكن عليها أن توسّع إطار ما تبذله من جهود إلى مصادر التمويل المتاحة وإلى مواقع التجنيد المحتملة.

فضلاً عن ضرورة الأخذ بأسلوب حشْد الجهود الجماعية عبر الحدود والنظم والأقطار بما يكفل توافر إمكانات النَفَس الطويل لمجابهة آفة الإرهاب المعاصرة خاصة في ظل التحوّل البديهي لعالمنا الراهن إلى قرية عولمية متشابكة المصائر ومتداخلة المصالح على السواء.

بحيث لم يعد الإرهاب يشكل خطراً فقط على أمن السكان الآمنين هنا أو هناك، ولا على سلامة الحكومات أو النظم الحاكمة، أو على حالات الاستقرار الاجتماعي، ولكن تعّدت لعنة الإرهاب كي تشكل خطراً أكثر من فادح على اقتصاديات العالم بأسره شاملة في ذلك ما أصبح يهدد حركة الاستثمارات ومخططات التنمية على اختلاف القارات والبلدان.

في هذا السياق يؤكد المؤلف أنه لم يعد هناك بلد واحد في عالمنا بمنأى عن خطر الإرهاب، ولم يعد ثمة حصانة لنظام سياسي تحميه من غوائل المد الإرهابي، وقانون حركة الإرهاب يقضي من واقع التجربة المعيشة، والمريرة بل والكارثية في بعض الأحيان، بأن مدّ الإرهاب قد يخّف أو قد يتوارى، لكنه لا يلبث أن يعود محملاً بروح من التشفي المدمر، بل وشهوة الانتقام المروّع.

بنود وصفة الإصلاح

ثم يتحول الكتاب إلى ما يمكن وصفه بأنه معالم وصفة الإصلاح التي يتصور معها البروفيسور داوودي أنها يمكن أن تضع الشرق الأوسط على الطريق السليم أو الكفيل بضمان فعالية المجابهة الناجزة ضد تيارات الإرهاب وبحيث تفضي، أو قد تفضي إلى استئصال جرثومة الإرهاب من الشرق الأوسط.

في هذا المضمار يركز أول بنود هذه الوصفة على أمر يراه المؤلف من الأهمية بمكان وهو:

• الإصلاح – التجديد الديني: إن تدريس ونشر تعاليم الإسلام الصحيحة أمر كفيل بحد ذاته بوضع مسيرة المسلمين على الطريق القويم، هذه التعاليم تؤكد على قيم الحرية والتسامح والتفاعل الإنساني والعمل الخلاق والانفتاح البنّاء على أفكار ومنجزات الآخرين، كما تشجع بصفة خاصة على تكريس ما يجود به العقل البشري في باب الاجتهاد الإنساني فيما يستجد من تطورات الحياة.

وهنا يمكن أن يوصل هذا السبيل إلى نشر قيم التوحّد والتسامح والتفاعل مع الآخرين أفراداً وشعوباً وحضارات من أجل المصالح المشتركة بدلاً من تفجير القنابل ونشر سلوكيات الحزام الناسف من أجل الهدم والاغتيال والتدمير.

• إصلاحات جذرية للأطر الدستورية والتشريعات القانونية: هنا يطالب الكتاب بإنهاء الازدواجية بين رفع الشعارات الدينية على مستوى بعض نظم الحكم في المنطقة، وبين أهمية اتباع الدساتير العصرية التي تكفل للمواطن حقوقه المدنية التي لا تتعارض بداهة مع ما تقضي به القيم الدينية، وهذه الحقوق المدنيّة تنصرف إلى حق الانتخاب، وحق قيام السلطات المحورية الثلاث في الدولة الحديثة: التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبحيث يقضي هذا النظام بأسلوب الفصل الموضوعي بين تلك السلطات.

وبما يؤدي في نهاية المطاف إلى أن تتعامل فيما بينها على أساس مبدأ تعرفه الأدبيات السياسية الأميركية بأنه قاعدة تبادل المراجعات والتوازنات، وبحيث يتم على صعيد الشرق الأوسط تكريس الحقوق الأساسية للإنسان، أي شاملة حق الحياة وحق الحرية وحق التنمية.

• المشاركة مع جهات أخرى خارج المنطقة: ويتمثل ذلك في دور يدعو المؤلف لإسناده إلى دول وشعوب من خارج منطقة الشرق الأوسط، وهو دور المشاركة في مجابهة خطر الإرهاب، باعتبار أن هذا الخطر بات يستشري وتمتد غوائله إلى حيث أصاب العديد من الدول خارج الإطار الإسلامي – في أوروبا وفي أميركا على وجه الخصوص.

ثم إن هذه الدول مشارِكة بحكم الواقع الجغرافي والمصلحي في استقبال تيارات وموجات من لاجئي الشرق الأوسط ممن دفعتهم ويلات الإرهاب المنظم إلى خارج بلدانهم نجاة بحياتهم وحياة ذويهم، حيث تتوجه هذه الموجات إلى أقطار القارة الأوروبية بكل ما ينطوي عليه هذا الامر من مشاكل بل ومآس إنسانية ومغارم اقتصادية.

ثم إن هذه الشراكة التي تدعو إليها فصول كتابنا تضم كذلك دعوات إلى البلدان المتقدمة كي تمّد يد التعاون مع أقطار الشرق الأوسط في مجالات التحديث وتطوير استخداماتها لتكنولوجيا المعلومات وتطويرات الحواسيب الإلكترونية، وهو ما يكفل اتساع فرص العمل وآفاق التشغيل وخاصة بين جموع الشباب الذين يشكلون مغنماً سائغاً – خاصة في حالات البطالة – للتجنيد في صنوف شراذم الإرهاب وكتائب الإرهابيين.

تشابه الشعارات التي يرفعها الإرهابيون

في السياق نفسه يذهب المؤلف إلى ما يعمد إليه معظم الإرهابيين الجناة من رفع رايات أو شعارات الإسلام، يستوي في ذلك «داعش» في العالم العربي أو القاعدة أو طالبان في أفغانستان، أو بوكو حرام في إفريقيا، وهنا ينّبه الكتاب إلى أنه حان الوقت لكي يعلن جمهرة المسلمين الذين يبلغ تعدادهم نحو مليار ونصف مليار نسمة تبرأّهم الكامل من هؤلاء الذين ينسبون أنفسهم غدراً وزيفاً إلى عقيدة الإسلام.

هنا أيضاً يصل المؤلف إلى وصف الإسلام بأنه دين مخطوف، بل يرصد تواريخ هذا الاختطاف على مر العصور التي شهدت حكاماً أعلنوا انتسابهم، وانتساب نظمهم الحاكمة إلى الإسلام، ولكنهم لم يلتزموا بأيٍ من تعاليمه التي يصفها مؤلف هذا الكتاب بأنها تقوم على التوحيد بالخالق عز وجل، وعلى إقامة موازين العدل وتكريس قيمة الحرية.

وبدلاً من نشر وتفعيل هذه القيم العليا، كان هناك من استخدم الإسلام أداة للسلطة ووسيلة للسيطرة والهيمنة على الآخرين وهو ما جاء مخالفاً لنصوص القرآن وتعاليم الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم).

وكان أن أفضى ذلك إلى نشر حالة من التضييق على حرية إعمال الفكر في فهم ما يقضي به هذا الدين الحنيف وهي بداهة حرية الاجتهاد التي من شأنها أن تدفع المجتمع المسلم لكي يساير كل ما يستجد على حياة الناس من تطورات، وهو ما أوصل إلى حالة سادت في أرجاء الشرق الأوسط قوامها الحفظ عن طريق التلقين بعيداً عن المطلوب من التشجيع على الحوار والنقاش الكفيل بإثراء القيم المستنيرة التي ينبغي أن تحفظ على المجتمع ديناميته وقدراته الحيوية.

ظاهرة استهداف لعامة الناس

يتوقف المؤلف بأسلوب الرصد والتحليل عند ظاهرة استهداف الإرهاب لعامة الجماهير والقطاعات الشعبية العريضة، ولا سيما السكان المدنيين في أنحاء ومناطق شتى من خارطة عالمنا، وهو ما بات يشّكل، كما يؤكد المؤلف، ضغوطاً متزايدة.

بل متفاقمة على مجال الحريات المدنية وعلى المؤسسات الديمقراطية، فيما يتمثل هذا الخطر الفادح في أنه ما إن يتم القضاء على منظمة إرهابية هنا أو هناك، حتى يفاجأ الناس بظهور مؤسسة بل مؤسسات جديدة تحلّ محلها وتؤدي أدوارها ربما بشكل أكثر شراسة وأشد تدميراً.

المؤلف

الاسم الذي يحمله مؤلف الكتاب، وهو البروفيسور الدكتور ألكسندر داوودي يبعث أصداء ترتبط بمنطقة الشرق الأوسط أو ما يجاورها من أصقاع متفرقة، سواء في أواسط آسيا أو في شرقها أو جنوبها. وربما يعزز هذا التصور حقيقة أن المؤلف يجيد لغات عديدة.

ويعمل المؤلف أستاذاً في جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة متخصصاً في علم السياسة والإدارة العامة. وكان قد حصل على درجة الدكتوراه من جامعة متشيغان ونال أربع درجات ماجستير في مجالات متنوعة. وأصدر عدة دراسات وكتب.

تأليف:  ألكسندر داوودي

عرض ومناقشة: محمد الخولي

الناشر: مكتبة الكتاب الأول، نيويورك، 2018

عدد الصفحات: 436 صفحة

Email