الصين وحربها المقبلة مع آسيا

المعادلة الصينية تدور حول الأمن والقوة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يصدر هذا الكتاب في غمار التغييرات والتطورات الداهمة التي لاتزال تستجد على أوضاع السياسة ومعادلات القوى، وبخاصة ما يتصل بمستقبل السلطة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية..

وهو المستقبل الذي يتحدد خلال المئة يوم، المفضية إلى تحديد رأس السلطة الأولى في البيت الأبيض، ويعرض الكتاب لما أحرزته الصين من تقدم في مجالات شتى، وخاصة في ميدان الصناعات الاستهلاكية إلى جانب مجالات أخرى مثل الفن والرياضة وما في حكمها، وهو ما قد يدفع الصين في تصوّر مؤلف الكتاب - إلى التطلع إلى أدوار أكثر طموحاً وأشد دينامية على مستوى إقليم جنوب شرق آسيا ومياه المحيط الهادئ..

وفي هذا الإطار يطرح الكتاب معادلة يرى أن مسؤولي الحزب الحاكم في بكين يتبعونها في سلوكهم السياسي، وتقضي المعادلة بأن القوة تخلق الأمن، في حين أن الأمن يحمي القوة.

وإذا كانت بكين لن تُقدم على سلوكيات مندفعة أو قرارات غير محسوبة، إلا أن فصول الكتاب ترى أن أخطر ما يمكن أن يؤثر على تصرفات الصين في المرحلة المقبلة إنما يتمثل في سلوكيات وتصرفات واشنطن إزاء منطقة الجنوب الآسيوي باعتبار أن أميركا تعّد نفسها طرفاً أساسياً في تحالفات المنطقة المذكورة.

لايزال مراقبو التطورات السياسية ومحللو الشؤون الدولية يدقون أجراس النذير، وخاصة منذ الأيام القليلة من شهر يونيو المنصرم، وكيف لا يشعر المراقب أو المحلل السياسي بالقلق العميق توجساً إزاء ما قد تأتي به التطورات المقبلة..

ولاسيما بعد أن اتخذ الناخبون الانجليز، ولو بهامش ضئيل كما أصبح معروفاً، قرارهم المشهود بخروج بريطانيا من عضوية منظومة الاتحاد الأوروبي، فضلاً عما يمكن أن يعقب مثل هذه الخطوة من إجراءات وقرارات تصدر عن كيانات أخرى من أعضاء الاتحاد المذكور.

هكذا بدأ العالم يشهد تصدّعات في مشروع أوروبا المتحدة الذي سبق وأن راود أحلام رواد كبار وزعماء مشاهير، كان على رأسهم كل من الزعيم الفرنسي شارل ديجول (1890 - 1970) .

وزعيم ألماني هو كونراد أديناور (1876 - 1967). كما يشهد العالم كياناً فاعلاً بكل مقياس لاتزال تحفّه المئات من علامات الاستفهام بالنسبة لما يمكن أن تكون عليه طبيعة الكيان المذكور وفاعلية أدواره في مستقبل هذه الأيام.

الكيان اسمه الولايات المتحدة الأميركية، وهو فاعل كما ألمحنا بحكم دوره الدينامي، ثقافياً وعلمياً وسياسياً وعسكرياً في ساحات السياسة العالمية.

100 يوم

أما حكاية »مستقبل هذه الأيام« فيمكن ترجمتها ببساطة في حدود 100 يوم، وربما أقل، هي الأيام الفاصلة بين اللحظة الزمانية الراهنة إلى حين لحظة الخيار الانتخابي للرئاسة الأميركية المرتقبة في شهر نوفمبر المقبل حيث الخشية من أن تفلح بروباغاندا الإعلام وصدمات السياسة في أن تأتي بشخصية مقاول عقارات إلى المنصب رقم واحد في البيت الأبيض.

محّملاً بكل ما سبق الرجل إلى طرحه وتكريسه علناً من دعوات عنصرية وشعارات تطفح بالتمييز والتباغض بين البشر، وعلى أسس شتى منها الأرومة العِرقية ومنها العقيدة الدينية ومنها الانتماء الطبقي، إلى آخر ما يمكن أن يزرع ويتعهد جذور البغضاء والتفرقة التعسفية بين بني الإنسان.

نحن إذن أمام عالم مضطرب من حيث التوجهات، ومضطرم من حيث التيارات التي تجسد كيف آلت أحوال هذا العالم إلى صورة من التباين والتربص، بل وإلى صراعات ظاهرة ومستفزة أحياناً، ثم صراعات باطنة مستترة ومن ثم منذرة بمزيد من الخطر في أحيان أخرى.

من هنا يأتي الاهتمام بالسؤال الذي سبق إلى طرحه باحث أكاديمي ومفكر سياسي. والسؤال هو ترى ماذا يمكن أن يجري في الجزء المسكوت عنه، أو فلنقل شبه المسكوت عنه من خارطة عالمنا؟ هذا الجزء يحمل اللافتة البديهية التالية: شرق الكرة الأرضية، وبالتحديد جنوب شرق آسيا.

الصين وحرب المستقبل

هذه القضية المحورية، كما نراها، هي التي تشغل فصول وصفحات الكتاب الذي نعايشه في ما يلي من سطور، وهو ما يكاد يلخصه عنوان كتابنا على النحو التالي: الصين وحربها المقبلة مع آسيا.

مؤلف الكتاب هو المفكر البلجيكي البروفيسور جوناثان هولسلاغ، الذي اختار أن يبلور رؤيته لأحوال ومستقبل منطقة الشرق الآسيوي، وخاصة ما يتعلق بجمهورية الصين الشعبية حاضراً أو مستقبلاً عبر الفصول التسعة التي تؤلف متن هذا الكتاب.

والحق أن المطالعة الأولية لأهم طروحات هذا الكتاب لا تلبث أن تُفضي بالقارئ إلى التوقف ملياً عند اثنين من العوامل المؤثرة على مسار الحياة والسلوك السياسي للصين في المرحلة الراهنة وهما:

أولاً العامل الثوري، بمعنى أن صين- هذه الأيام مازالت متأثرة، إن لم تكن محكومة لاتزال بالمسارات التي سبق وأن حفرها جيل الريادة من آباء الثورة الصينية، وهو الجيل الذي سبق وأن ورث تركة حزب الكومنتانغ الوطني وكان برئاسة الزعيم صن يات صن (1866- 1925)..

وبعدها تسلّم زمام التغيير الثوري في ربوع الصين جيل الزعيم ماو تسي تونغ ورفاقه وكان في طليعتهم رئيس وزراء الصين السياسي المثقف شوين لاي (1898 1976).

صحيح أن أفكار هؤلاء الرواد الثوريين ما لبثت أن تعرضت للتغيير، أو حتى للنقد، ومن ثم لتعديلات جذرية وخاصة في مرحلة التصحيح التي قادها الزعيم دنغ هيساو بنغ (1904- 1997). لكن الأصح هو ما صرح به مؤخراً قادة الحزب الشيوعي الحاكم حالياً في بكين بأن الصين لاتزال تؤمن بالثورة والعقيدة الاشتراكية.

ثانياً يأتي العامل الجوهري الآخر الذي يؤكد عليه مؤلف هذا الكتاب متمثلاً في القوة الاقتصادية، وهذا هو عنوان الفصل السابع من كتابنا. وفي هذا الفصل يركز الدكتور هولسلاغ على ما يمكن وصفه بأنه ثورة تحققت في مجالات التصنيع ..

وفي إنتاج السلع الاستهلاكية التي غمرت بها الصين أسواق العالم، يستوي في ذلك المستهلك العصري في حواضر بلد سوبر- متقدم مثل أميركا، بقدر ما يستوي أيضاً المستهلك البسيط، وربما الفقير في أدغال أفريقيا أو في أرجاء الشرق الأوسط أو في دواخل أميركا اللاتينية.

شبح التوتر الإقليمي

يرى مؤلف الكتاب أن صراعات جنوب الشرق الآسيوي جديرة بأن تصل إلى شفا الحتمية في حالة أن تبادر أطراف جيران المنطقة إلى لم شملها أو توحيد طاقاتها لمجابهة المارد أو التنّين الصيني الأصفر، وفيما يتوقع المؤلف أيضاً أن الحزب الشيوعي الحاكم حالياً في الصين لن يتراجع عن مسيرته في تصعيد الإنتاج والتقدم الصناعي في الداخل..

ولا عن مواصلة الطموح إلى توسيع نفوذ الصين وسطوتها ودورها الإقليمي، فذلك يهدد، كما أسلفنا، باندلاع شرارات الصراع الإقليمي في هذا الركن المشحون بالتوترات في جنوبي القارة الآسيوية.

في هذا السياق أيضاً يتوقع المؤلف استمرار المحاولات المبذولة من جانب الزعامات في بكين من أجل إحراز المزيد من المكانة لبلادهم مترجمةً إلى شغل الصين المزيد من المواقع في وكالات وفروع منظومة الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية.

عن الفعل وردّه

في هذا الإطار يحرص المؤلف ومن منظور منهجه العلمي- على توضيح السلوكيات المرتقب اتباعها من جانب الصين، فهي لن تكون مجرد خطوات أحادية، بمعنى أن يبادر البلد الآسيوي الكبير مثلاً إلى شّن غارات أو إعلان حالة الحرب، بقدر ما يتوقع المؤلف أن حالات التصعيد المفضية إلى ما يتوقعه من صراعات في جنوب شرقي آسيا سوف تقود إليها خطوات وتصرفات وإجراءات تتراوح بين حالات الفعل وحالات ردّ الفعل على السواء.

نلاحظ في الوقت نفسه، كيف يحرص مؤلف كتابنا على تأكيد أن ما يتوقعه من تحركات الصين الأقليمية لا تصدر عن مجرد رغبة في التوسع أو شهية للعدوان. في هذا الصدد يطرح الكتاب معادلة يصوغها المؤلف على الوجه التالي، الصين تسعى إلى مزيد من القوة باعتبار أن القوة (المَنَعة) تكفل الأمن، في حين أن الأمن يحمي القوة ويصونها.

وربما يزيدنا المفكر البلجيكي من الشعر بيتاً كما يقولون- حين يضيف قائلاً في سطور الكتاب: في تصوري أن الصين ستواصل تركيز نظرها على ما سوف تفعله أميركا أو ما تتخذه واشنطن من خطوات مستقبلاً بالنسبة لأحوال وأوضاع جنوب شرق آسيا..

حيث يمكن أن تؤول هذه الأحوال إلى نمط غير مسبوق من حرب باردة- اقتصادية هذه المرة بين عملاق إنتاجي وتصنيعي اسمه الصين، مقابل قوة عظمى تظل رئاستها محفوفة بألف ألف سؤال على مدار 100 يوم وأقل، اسمها الولايات المتحدة الأميركية.

إنجازات لها جانبها المقابل

يرى مؤلف هذا الكتاب أن إنجازات الصين لها جانبها المقابل الذي يتصوره الدكتور هولسلاغ متمثلاً في أنها تترجم نفسها في توسع وامتداد النفوذ الصيني فيما يتجاوز حدودها، وهو ما يدفع مسؤوليها إلى توخي طموحات أوسع نطاقاً، مما يخلق بالتالي حالات وأوضاعاً من التوتر بين الصين وجاراتها سواء إلى غربها كوريا الجنوبية- فيتنام أو الفلبين، وبالذات إلى شمالها حيث الغريم الياباني، بطبيعة الحال.

هنا يحذر الكتاب من الوصول إلى ما يصفه بأنه النقطة الحرجة، حيث تشتد طموحات الصين إلى مزيد من تحقيق الازدهار وإلى تعظيم أوضاع الأمن القومي وهو ما يوصل إلى حالة من اختلال هائل في توازن القوى على المستوى الجهوي في جنوب شرقي آسيا.

وفي إطارها يوضح المؤلف تحرز الصين تفوقاً مشهوداً، ومستفزاً أيضاً على جاراتها ضمن الأقليم نفسه، وربما تحاول أن تفرض عليها حالة من الشراكة غير المتكافئة مما يرادف شعور هؤلاء الشركاء بحالة من الاستضعاف أو استنفار المجابهة أو التحدي على نحو ما هو حاصل حالياً.

كما يضيف كتابنا بالنسبة لأوضاع التربص السياسي الراهن بين الصين واليابان بشأن محاولات بكين إنشاء جزر مصطنعة لحساب الصين في مياه المحيط الهادئ، وهذا السلوك يرادف محاولات الصين توسيع رقعتها الإقليمية فيما يتصور الساسة في طوكيو أن مثل هذه المحاولات إنما تأتي على حساب مصالح اليابان.

من ناحية أخرى، يحرص المؤلف على تأكيد أن الجهود الصينية من حيث محاولات التفوق مازالت ماضية على قدم وساق، كما يقولون. لماذا؟ لأن جيران بكين أغلبهم على الأقل- لايزالون في حالة استضعاف نسبية بالمقارنة مع ما بلغته الصين من مكانة

وخاصة في مجالات التصنيع والإنتاج السلعي، مما شجعها على التحول إلى مجالات أخرى- غير مادية أو فلنقل غير تصنيعية، ومن ذلك مثلاً مجالات الإبداع الموسيقي السيمفوني أو الرياضة الأولمبية أو البث الإعلامي أو الفنون الحركية وما في حكمها.

أدوار أميركا المتعددة

يحرص الكتاب على التنبيه إلى مختلف الأدوار التي يمكن أن تقوم بها أميركا، بحيث يمكن أن يؤدي أحد تلك الأدوار إلى دفع الصين للإقدام على سلوك عنيف قد يفضي إلى إشعال لظى الصراع ، هنا أيضاً يلمح المؤلف إلى ما عمدت إليه السياسة الأميركية من زيادة اهتمامها وتكثيف تعاملها مع الشأن الآسيوي، على نحو ما ظلت تجهر به إدارة أوباما في المراحل الأخيرة من ولايته الثانية.

فضلاً عما سبقت إليه ولاية بيل كلينتون منذ عقد التسعينات الماضي من التأكيد على البعد الآسيوي للسياسة الأميركية على نحو ما ظلت تجسده المنظومة التي أنشأوها كي تضم أميركا مع دول جنوب آسيا .

المؤلف

البروفيسور جوناثان هولسلاغ باحث ومفكر بلجيكي شاب. وهو يستند إلى تاريخ حافل من حيث تنوّع وتعمّق التحصيل العلمي والتخصص الأكاديمي، حيث درس تاريخ العلوم التربوية ثم حصل على دكتوراه العلوم السياسية من جامعة فريجيه في بروكسل ببلجيكا .

وللمؤلف كتب عدة منها كتابه »الصين والهند.. آفاق السلام«، وكتابه بعنوان »العملاق السجين.. الصعود العسكري المضطرب للصين«.

تأليف: جوناثان هولسلاغ

 عرض ومناقشة: محمد الخولي

الناشر: مؤسسة بوليتي، نيويورك، 2016

عدد الصفحات: 176 صفحة

Email