مذهب هيلاري

مشكلات المرأة قضية أمن قومي أميركي بامتياز

ت + ت - الحجم الطبيعي

تدور أهم مقولات هذا الكتاب حول ما سبق وطرحته السياسية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون بشأن دور المرأة في مجتمعات العالم. وخاصة ما تتعرض له المرأة والفتاة من أوضاع اللامساواة، فضلا عما يمارَس بحق المرأة من سلوكيات العنف بكل أنماطه، وما يرتبط بذلك من تعرضها لويلات الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية.

ويؤكد الكتاب على أن أهم ما دعت إليه كلينتون، منذ أن كانت وزيرة لخارجية بلادها، خلال الولاية الرئاسية الأولى لباراك أوباما، إنما يتمثل في تأكيدها على الربط بين أوضاع العنف واللامساواة التي تتعرض لها المرأة، وبين أحوال الاستقرار الوطني والأمن القومي.

وقد حرصت مؤلفتا هذا الكتاب على الإحالة إلى الدراسات المنهجية والاستقصاءات الإحصائية التي جاءت نتائجها لتؤكد ما ذهبت إليه هيلاري كلينتون بشأن أوضاع المرأة.

وهو ما أدى إلى تجميع وبلورة طروحاتها لكي تشكل في نهاية المطاف ما أصبح يعرف باسم «مذهب أو مبدأ هيلاري» الذي اكتسب أهمية متزايدة بعد أن تحولت من عضو سابق في مجلس الشيوخ بالكونغرس ثم وزيرة سابقة، كما هو معروف، للخارجية، إلى حيث أصبحت الآن مرشحاً يتصدر صفوف السياسيين من مرشحي الحزب الديمقراطي الذي تنتمي إليه.

في معجم السياسة الأميركي يتردد باستمرار مصطلح (Doctrine). وهذا اللفظ في أصله اللغوي يفيد معنى المذهب أو الاتجاه، لكن المعجم الأميركي يصطلح في تعريفه على معنى المبدأ. وهذا هو المنحى الذي اتجهت إليه مؤلفتا الكتاب الذي نعايشه فيما يلي من سطور. عنوان الكتاب هو: «مبدأ هيلاري». والكتاب من تأليف الاستاذتين فاليري هدسون وباتريشيا ليدل.

والمعروف أن من أشهر المبادئ التي شهدها تاريخ السياسة الأميركية اثنان من المعالم المحورية وهما: مبدأ مونرو في القرن التاسع عشر+ مبدأ ترومان عند منتصف القرن العشرين.

مبدأ مونرو أصدره الرئيس الأميركي الخامس جيمس مونرو في عام 1823 ويقضي، كما أصبح معروفاً، بإطلاق يد الولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي من العالم، وبمعنى أن يظل المحيط الاطلسي حاجزاً تعيش من خلفه الأميركيتان: أميركا الجنوبية – اللاتينية كما يعرفها الناس.

ثم أميركا الشمالية التي تتصدرها بداهة الولايات المتحدة الأميركية، التي قصدت من خلال بادرة الرئيس مونرو إياها أن تفرض نوعاً من النفوذ أو السطوة على مقاليد سكان أميركا الوسطي في أصقاع الكاريبي ثم سكان أميركا الجنوبية، ما استطاعت إلى هذا سبيلا.

من ترومان إلى هيلاري

أما مبدأ ترومان فقد أذاعه هاري ترومان، الرئيس الأميركي رقم 33. وكان ذلك بالتحديد يوم 12 مارس من عام 1947 وبمقتضاه أعلنت واشنطن سياستها الخارجية الجديدة التي كانت تقضي باحتواء نفوذ الاتحاد السوفيتي، الخصم المستجد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فيما جاء مبدأ ترومان أيضاً إيذاناً ببداية حقبة، كانت جديدة بدورها، حملت من يومها، وإلى مطالع تسعينات القرن وصف الحرب الباردة.

مؤلفتا هذا الكتاب، وهما باحثتان في العلوم السياسية، تتناولان شخصية وتكوين وتوجهات، ومن ثم إنجازات وطموحات هيلاري كلينتون، خاصة وأنها لاتزال المرشح الرئاسي الأوفر حظاً عن الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة.

فضلا عما تحتويه سيرة حياتها من أطوار وأدوار بارزة منذ أن كانت هي الأولى في ولاية متواضعة في أرياف أميركا تدعى أركنسو باعتبار أن زوجها بيل كلينتون كان حاكماً لتلك الولاية قبل أن يأتي إلى العاصمة الديمقراطية، ويصبح الرئيس رقم 42 لبلاده، ومن ثم تحمل الزوجة، الشابة وقتها، لقب الأولى على مدار السنوات الثماني التي أمضاها الزوجان في المقر الرئاسي، ومع السنوات الاستهلالية من القرن الجديد، عاودت هيلاري تحقيق طموحاتها السياسية.

فكان أن دخلت مجلس الشيوخ بالكونغرس عضواً عن ولاية نيويورك، إلى أن تنافست مع المرشح الملوّن باراك أوباما في انتخابات عام 2008، وبعد أن مُنيت بهزيمتها السياسية اختارها الرئيس الجديد وزيرة للخارجية، لتكون ثاني امرأة تشغل هذا المنصب المحوري في تاريخ السياسة الأميركية بعد مادلين أولبرايت التي شغلت الموقع ذاته في إدارة بيل كلينتون.

تستهل المؤلفتان طروحات كتابهما بتوضيح المقصود بحكاية المذهب أو المبدأ أو العقيدة. ومن واقع مقولات وسلوكيات هيلاري كلينتون، وخاصة خلال شغلها منصب وزير الخارجية، تعمد فصول الكتاب إلى تفسير المقصود ﺒمذهب هيلاري على الوجه الموجز التالي: إنه مصطلح يجري استخدامه لوصف الأجندة التي اعتمدتها وتعتمدها هيلاري كلينتون منذ أن كانت وزيرة للخارجية، وحتي كونها حاليا مرشحة للمنصب رقم واحد في بلادها.

ويلخص هذا المبدأ أهم الأفكار والآراء التي تعتمدها هيلاري، ومفادها ضرورة أن تُعتبر حقوق المرأة وأهمية نيْلها وتمتعها بتلك الحقوق، فضلا عما يمكن أن تتعرض له المرأة من وقائع وسلوكيات العنف أو الايذاء، بمثابة قضايا لا تتعلق فقط بالنسق الاجتماعي ولا النهج السلوكي، بل يجب أن تُعد من قضايا الأمن القومي بالدرجة الأولى.

حدث في 2010

تتحول طروحات الكتاب إلى قدر من التفصيل الشارح لهذه الأفكار المبدئية.

هنا حرصت مؤلفتا الكتاب على توضيح أن هيلاري كانت أيامها وزيرة للخارجية، وأنها مع مرور الأيام، ظلت تكرر هذه الأفكار، وبعد أن تركت المنصب الرفيع، بدأ نقادها يلمحون بأن أفكارها إنما كانت ترتبط بالمنصب، في حين أنها عاودت طرح الأفكار نفسها في كتابها الصادر عام 2014 تحت عنوانه الشهير: «خيارات صعبــة».

وفي الكتاب المذكور أكدت هيلاري من جديد على أن ليس من باب الصدف ما يتمثل في أن المواقع التي تشهد المرأة في عالمنا وقد تعرضت لغمط حقوقها والتهوين من شأنها، هي المواقع نفسها التي مازالت موبوءة بأدوات عدم الاستقرار واندلاع الصراعات وآفات التطرف وأحوال الفقر.

وفي السياق نفسه، ارتفعت عند وزيرة الخارجية الأميركية السابقة نغمة الاعتزاز بكونها امرأة تتبوأ المنصب المذكور، ولدرجة يكاد القارئ المتابع يشعر إزاءها بأن كلمات الوزيرة تكاد تشكل توطئة أو تمهيداً أو مدخلا إلى نية أعلنتها هيلاري في الأشهر القليلة الماضية مرشحة – كما هو معروف – لمنصب رئيس البلاد.

الوزيرة تنتقد من سبقوها

في هذا السياق جاءت انتقادات هيلاري لمن سبقوها – من صنف الرجال طبعاً – في الاضطلاع بالمسؤولية على صعيد مؤسسة السياسة الخارجية في أميركا، قالت إنهم لم يولوا الاهتمام الواجب لقضايا المرأة ولمساواتها وإنصافها وحمايتها بوجه الغبن أو التهميش والعدوان، هذا بينما تؤمن هيلاري.

كما ورد أيضاً في كتابها «خيارات صعبة»، بأن قدراً كبيراً ومتنامياً من الدراسات والبحوث أوضح أن تحسين أحوال المرأة قد ساعد على حل النزاعات (الدولية) وعلى إرساء دعائم الاستقرار في المجتمعات على مستوى العالم كله.

من هنا كان اعتزازها بما صدر في شأن المرأة مع مغيب الولاية الثانية – الأخيرة لزوجها، وخاصة قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 بتاريخ 31 أكتوبر عام 2000 وقد حمل القرار المذكور العنوان المعبِّر التالي: «المرأة والسلم والأمن».

وكان طبيعياً أن تؤكد هيلاري كلينتون خلال الجلسات التي عقدها مجلس الشيوخ، وأدت فيها اليمين الدستوري وزيرة للخارجية حيث ذكرت ما يلي: إنني أتعهد أمامكم، كوزيرة للخارجية، بأن أتعامل مع قضايا المرأة على أنها أمور مركزية بالنسبة لسياستنا الخارجية، وليس مجرد أمور تابعة أو مسائل فرعية، أو أنها تقّل بأي حال من الأحوال عن سائر القضايا الأخرى التي يتعّين علينا أن نواجهها.

من هنا فلم يكن عجيباً أن تنشر مجلة «نيوزويك» مقالة في مارس من عام 2011 تؤكد أن حقوق المرأة والفتاة تمثل – في تصوّر هيلاري كلينتون – المهمة التي لم تكتمل بعد من مهام القرن الحادي والعشرين.

ويسترعى النظر في هذا الصدد أن المقالة المذكورة عمدت إلى التساؤل وقتها عما إذا كانت هذه الطروحات الصادرة عن وزيرة الخارجية، جاءت لتشكل منعطفاً يدفعنا للتنبؤ عما إذا كانت منطلقاً تصدر عنه هيلاري كلينتون إلى حيث ترشّح نفسها رئيساً للولايات المتحدة في انتخابات عام 2015.

وقبل أن يسترسل الخصوم الحزبيون والسياسيون في انتقاد المرشحة الديمقراطية المذكورة أعلاه، على أساس أنها تحاول استمالة الناخبات الأميركيات من خلال هذه الأحاديث المسهبة عن حقوق المرأة، فإن كتابنا يحيل، بحكم النهج العلمي الأكاديمي، الذي تتبعه المؤلفتان، إلى عدد من الاحصاءات واستطلاعات اتجاهات الجماهير التي تم إجراؤها في الفترات الأخيرة.

ومن هذه البحوث المهمة، ما قامت به المؤلفة فاليري هدسون بشأن الصلة بين ممارسة العنف ضد المرأة وبين حالة اللامساواة بين الجنسين داخل هذه الدولة أو تلك من دول عالمنا، وخاصة من منظور الأمن القومي وأحوال الاستقرار في الدولة المعنية.

وفي هذا السياق، يلخص كتابنا أهم نتائج هذه النوعية من البحوث المنهجية في سطور تقول بما يلي: وجد فريق البحث أن أفضل عنصر يدل على ما تنعم به الدولة من أحوال السلام (الاجتماعي) لم يكن متمثلا، لا في مستوى الديمقراطية ولا في حجم الثروة ولا في الهوية الحضارية (مستوى التقدم بكل أبعاد التقدم)، بل كان أفضل المقاييس في هذا المجال هو مستوى ما تضمه الدولة من سلوكيات العنف الموجه ضد المرأة، وهي نتائج تقاطعت مع عناصر الثروة (الوطنية) ونوعية النظام الحاكم فضلا عن المنطقة الجغرافية ذات الصلة.

المرأة والأمن القومي

تتوالى فصول وطروحات هذا الكتاب كي تؤكد على أن ما دعت وتدعو إليه مرشحة الرئاسة الأميركية لا تشكل فقط سابقة هي الأولى بالطبع من نوعها، بالنسبة للتطلع إلى هذا المنصب الرفيع في وطنها، بقدر ما توضح قيمة ما ذهبت إليه المرشحة المذكورة من الربط الموضوعي – كما يؤكد هذا الكتاب باستمرار– بين أحوال المرأة ورفاهها وسلامتها من مغبة العدوان، أو العنف، أو الحرمان والانكار مع ما يرتبط بهذا كله من سلبيات، وبين أخطر وأهم قضايا الأمن القومي الداخلي، ومن ثم الأمن العالمي الشامل بشكل عام.

ويزيد من قيمة هذا الكتاب أنه لم يضع ممارسات أميركا فوق سائر الممارسات التي مازالت تشهدها أقطار شتى في طول كوكبنا وعرضه: نعم، الكتاب ينتقل فيما بين أوضاع وبلدان شتى ما بين الصين إلى غرب أفريقيا وما بين الشرق الأوسط إلى أميركا اللاتينية.

لكن المؤلفتين تؤكدان في الوقت نفسه على أن المرأة الأميركية ذاتها مازالت تواجه، بل تعاني نصيبها من التعرض لأنماط العنف والتهميش واللامساواة.

وتقول الناقدة الأميركية غلوريا ستاينمن – في تعليقها على هذا الكتاب: إنه أول كتاب يتعرّض إلى ضرورة بذل جهود على مستوى رفيع من أجل إيجاد سياسة خارجية (لأميركا) يجري الأخذ بها على أساس أن أصبح للمرأة قيمة وأهمية في آن معاً.

المرأة أكثر معاناة من الصراعات

تعرض نتائج الاستقصاءات العالمية نماذج حقيقية تدل على أنماط العنف الذي ما برحت تتعرض له المرأة والفتاة في جوانب عالمنا، وهنا تورد البحوث دراسات حالة مستمدة بحكم التعريف من شواهد الواقع، ومنها ما تعرض له فصول كتابنا: ما بين ما يقع من حالات الإجهاض بناء على جنس الجنين، أو حالات قتل الإناث في أصقاع من قارة آسيا، إلى جرائم الاغتصاب (الجماعي أحياناً) في دوامات الحروب الأهلية والصراعات الداخلية في أرجاء الكونغو – غرب أفريقيا، ومنها أيضاً ما يصفه الكتاب بأنه مصائر المرأة في إطار الربيع العربي (بالشرق الأوسط).

هذا فضلا عما لايزال دائراً من عوائل العنف ضد المرأة على نحو ما يجتاح غواتيمالا في أميركا الوسطى.

من ناحية أخرى تلاحظ مؤلفتا كتابنا أن مصطلح «مبدأ هيلاري» لم يُطرح بهذه الصيغة التي عرضنا لها، ولا ورد على نحو قاطع أو محدد على لسان المرشحة هيلاري نفسها: لكنها اعترفت في حوار صحافي منشور في عام 2014 بأن الأمم – الدول العظيمة ما برحت تحتاج إلى طرح واتباع مبادئ تنظم مساراتها وتؤدي إلى تجنيبها عثرات الطريق.

هنا أيضاً يحرص الكتاب على تبرير أو تسويغ مثل هذا الاهتمام بالنسبة للمرأة على مستوى العالم من جانب كلينتون. لمــاذا؟ لأن المرأة – كما توضح طروحات الكتاب – هي التي ظلت على مدار سنوات نصف القرن المنقضية تكتوي أكثر من غيرها بلظى النيران التي أشعلتها صراعات العالم عبر اختلاف الأقطار وتباين الظروف والأوضاع والثقافات.

وكان في هذا ما ظل يدفع الحركات النسائية في طول العالم وعرضه إلى حثّ راسمي السياسات وصانعي القرارات على إدراك أن المرأة هي أول وأصعب من يتأثر من جراء العنف والفقر والحروب وسائر الكوارث، ومع ذلك فهي آخر وأقل من تجري مشاورته التماساً للحلول وأوجه العلاج.

قضية المرأة والأمن القومي

يحيل الكتاب إلى حديث عام أدلت به هيلاري كلينتون في ديسمبر 2010، و طرحت أفكارها على الوجه التالي: لقد أحسنت الولايات المتحدة حين جعلت من تمكين المرأة والفتاة محوراً أساسياً من محاور سياستها الخارجية.

ذلك لأن مساواة المرأة لا تشكل مجرد قضية أخلاقية ولا أمراً إنسانياً ولا حتى وجهاً من وجوه العدل أو الإنصاف: قضية المرأة هي قضية أمن قومي، بقدر ما أنها قضية تتصل بالرفاه أو الرخاء وبالسلام أو الاستقرار، أعطوا للمرأة حقوقها في المساواة، تكفُلوا للأمم والدول مزيداً من الأمن والاستقرار.

المؤلفتان

الدكتورة فاليري م. هدسون هي أستاذة في مجال العلوم السياسية وقضايا السكان. وما برحت مهتمة بالعلاقة بين الأوضاع السياسية ووضعية المرأة ، وهو ما دفعها إلى تأليف كتاب «الاثار الأمنية المترتبة على فائض الذكور بين سكان القارة الآسيوية».

• زميلتها في تأليف الكتاب هي باتريشيا ليدل وهي من فانكوفر بكندا وتعمل مستشارة دولية في مجال الاتصالات إلى جانب عملها كمحاضرة لفنون الاتصال في جامعة متشغان بالولايات المتحدة.

تأليف: فاليري هدسون وباتريشيا ليدل

عرض ومناقشة: محمد الخولي

الناشر: جامعة كولومبيا، نيويورك، 2016

عدد الصفحات: 456 صفحة

Email