صعود مجموعة البريكس في إفريقيا

قوى البريكس تستوعب دروس المرحلة الإمبريالية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يستعيد هذا الكتاب، عبر فصوله السبعة، ذكريات فصول شهدتها أكثر من حقبة زمنية عاشتها القارة الإفريقية. وقد بدأت أولاها منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، وفيها كانت إفريقيا ضحية سائغة للمد الاستعماري الغرب- أوروبي.

أما المرحلة الحالية، وهي المستجدة على المشهد الإفريقي الراهن، فتتسم بظاهرة التعاون بين القارة الإفريقية وبين مجموعة البريكس التي تضم كما هو معروف خمساً من الدول السوبر- نامية والنامية ثم الآخذة في النمو – وقد أصبح فيما بينها نوع من السباق المستجد المحتدم على النفوذ الجيوسياسي في إفريقيا.

فضلاً عن التطلع إلى الإفادة من مواردها وإمكاناتها المادية، ولكن من خلال اتباع أساليب مبتكرة بما يتلاءم مع عصر العولمة الراهن، وتحت شعارات أصبح لها رنين إيجابي على الساحة الدولية، وتحمل بدورها وصف التعاون فيما بين بلدان الجنوب.

وبرغم تباين أساليب العلاقات بين كل من قوي البريكس وبين إفريقيا، ورغم ما حققه هذا التعاون من نجاحات وإمكانات، فإن الكتاب يحرص موضوعياً على أن يلمح إلى ما لا يزال يشوب هذا التعاون من تناقضات، خاصة مع الاختلاف الشديد في الأساليب التي تتبعها بلدان البريكس ما بين تركيز الصين مثلاً على تقديم القروض إلى تركيز الهند على استثمار الأراضي إلى تركيز البرازيل على شراكة النضال ضد الاستعمار.

كان ذلك في مطلع عقد الثمانينيات من القرن التاسع عشر، يومها شهدت السنوات 1883- 1885 ما لا يزال يعرف في التاريخ الحديث بأنه السباق نحو إفريقيا، بمعنى التسابق نحو امتلاك ما يمكن أن نصفه بأنه الكعكة الإفريقية، وكان المتسابقون هم 14 دولة أوروبية، تتنافس في ذلك الحين على أن ينال كل منها نصيبها من غنيمة القارة السمراء، بكل ما كانت تحفل به من ركائز معدنية وموارد مائية وإمكانات زراعية.

من هنا جاءت معاهدة برلين في عام 1884 لتحوي تعريفاً بما كان هؤلاء المستعمرون الغرب- أوروبيون يصفونه بأنه حقوق (!) الدول الأوروبية في إفريقيا، فيما كانوا يبررون هذا المنحى أو هذه الأطماع بأن هذا التعريف الذي ألبسوه ثوب التعاهد القانوني هو الكفيل – في تصوّرهم – بأن يوقف حمى التسابق على إفريقيا من أجل احتلال أقطارها بوصفها مستعمرات مستباحة لحساب كل من تلك القوى الآتية من غرب أوروبا، ومن ثم يصبح بالإمكان في تصوراتهم الحيلولة دون نشوب صراعات دموية تحتدم فيما بين تلك القوى ولو إلى حين.

وقد وافى هذا الحين لأسباب شتى بعد انعقاد مؤتمر التسابق على إفريقيا في برلين عام 1883 بأكثر من 30 سنة وبالتحديد مع اندلاع صراع الحرب العالمية الأولى في عام 1914.

وشتان بين حوادث الأمس الذي ألمحنا إليه، وبين ما تشهده اليوم قارة إفريقيا: شتّان بين ملابسات ووقائع المدّ الإمبريالي، الذي كابدته إفريقيا منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، وحتى حقبة التحرر من الاستعمار الأوروبي والحصول على الاستقلال مع أوائل ستينيات القرن العشرين.

والفارق بين الحالتين هو ما أصبحت إفريقيا تشهده اليوم متمثلا في موجة جديدة، وافدة بدورها إلى أصقاع القارة السمراء، وخاصة إلى أقطارها الواقعة جنوبي الصحراء الكبرى. وهذه الظاهرة المستجدة، التي تعيشها القارة تحمل الوصف التالي: صعود البريكس في إفريقيا. هذا هو بالحرف عنوان الكتاب الذي نعايش سطوره في سياقنا الحالي.

عندما تغيرت المعادلة

وقبل أن تتبادر إلى ذهن القارئ ذكريات الحقبة الإمبريالية، بكل ما حفلت به من مؤامرات وأطماع على نحو ما ألمحنا إليه في مستهل هذه السطور، يبادر مؤلف كتابنا إلى إثبات عنوان فرعي آخر للكتاب، مستهدفاً في تصورنا مزيداً من توضيح غاياته من جهة، ومؤكداً على الغاية المستجدة التي يستهدف بلوغها من جهة أخرى، وهي غاية ضد – إمبريالية يؤكدها العنوان الفرعي الذي يقول: الطابع الجيوسياسي للعلاقات فيما بين بلدان الجنوب.

والمعنى في هذا السياق بالذات ينصرف إلى ما يلي: إن عناصر هذه المعادلة تغيرت. صحيح أن إفريقيا القارة المستهدفة مازالت باقية على خارطة كوكبنا، وصحيح أننا نشهد حالياً سباقاً يتجه إلى ربوعها، لكن الأصح أن استجّد على هذه الظاهرة الدينامية عنصران:

• الأول هو أن أبطال التسابق الراهن طرأ على هوياتهم، ومن ثم على تحركاتهم وأهدافهم، تغيير جذري بكل المقاييس.

بدلاً من أقطاب الاستغلال الإمبريالي، وكانت تتصدره تاريخياً كل من بريطانيا وفرنسا، أصبح الأقطاب الجدد هم أعضاء منظومة البريكس الذين مازالت أسماؤهم تتردد في أسماع عالمنا الراهن، بعد أن عمد خبراء البنك الدولي إلى حصرهم ضمن هذه التسمية، حيث تتألف من الحروف الأولى من اسماء كل من: البرازيل + روسيا + الهند + الصين + جنوب إفريقيا.

•الثاني أن هؤلاء المتسابقين الجدد لا تدفعهم أطماع الاستعمار، ولكن تدفعهم أحلام أو رغبات تحقيق مصالح مشتركة بينهم وبين القارة العذراء.

أبعاد السباق الجديد

بعدها يعدنا هذا الكتاب بأنه سيتناول ظاهرة تسابق هذه الدول – الاقتصادات الصاعدة أو الناهضة أو فلنقل والطامحة أيضاً إلى ساحات القارة الإفريقية باعتبار أنها تصدر عن منطلق العلاقات- الحوار فيما بين بلدان الجنوب، وهو حوار الفرقاء – على نحو ما تعرفه الأمم المتحدة بين دول ونظم واقتصادات تجمع بينها أواصر المصالح المشتركة بين دول أكثر من نامية مثل روسيا ودول تدرج بهمّة ونشاط على درب النمو- التقدم، مثل البرازيل أو الهند أو الصين، فضلاً عن دولة إفريقية طامحة بدورها إلى النمو – التقدم بعد ميراث عنصري ظلت تكابده على مدار عقود عديدة من السنين.

مع هذا كله، ومنذ الطروحات الاستهلالية لهذا الكتاب، قد نلاحظ – كقارئين – كيف أن المؤلف لا يصدر بدوره عن نوبة حماس أو فرط إعجاب إزاء ظاهرة هذا السباق الجديد كما قد نسميه: المؤلف يجمع في منهجه بين الرصد الذي يتّبع مسار العلاقات بين إفريقيا ودول مجموعة البريكس، وهو المسار الذي انتشل القارة السمراء – في رأيه – من مجرد كونها قارة الضياع إلى أن أصبح بالإمكان أن يصدق عليها وصف قارة الأمل.

سبعة فصول

بحكم عقليته الأكاديمية فقد قسّم المؤلف هذا الكتاب إلى سبعة فصول، أولها مقدمة وآخرها خاتمة، في حين أن كلاً من الفصول الخمسة المتبقية تَخصّص بداهة في التعامل مع كل من الدول الخمس التي تشكل، كما ألمحنا، مجموعة البريكس المذكورة أعلاه، وبمعنى أن كلاً من العناصر الخمسة للمجموعة المذكورة يتسم تدخله في شؤون إفريقيا ويتميز تعاطيه مع علاقات التعاون والتبادل معها بخاصّية متفردة في ضوء تفرّد مصالح الطرفين بطبيعة الحال.

على أن الميزة الأساسية التي يتسم بها تعاطي مجموعة البريكس مع إفريقيا تتجسد -في تصورات المؤلف- في أن علاقات الطرفين باتت تلعب دوراً له أهميته في تنويع أنماط العلاقات الدولية لإفريقيا، وأيضاً في إتاحة فرص سانحة وإمكانات جديدة ومتنوعة لكي تقوم القارة السمراء بأدوار لم يسبق لها الاضطلاع بها على الصعيد الدولي.

فضلاً عن أن صورة إفريقيا من خلال هذه العلاقات والتفاعلات مع مجموعة البريكس، تغيرت بالطبع من صورة الطرف السلبي، المهيض والمستباح والمستضعَف، إلى حيث أصبحت صورة الطرف الإيجابي، المتفاعل والمزود بإمكانات جديدة واعدة لتحويل هذا التفاعل، المستجد بدوره من علاقة التابع والمتبوع على نحو ما كانت تكابده إفريقيا أيام الحقبة الإمبريالية، بكل ما حفلت به من وصاية دول الغرب واستغلال التحالف الرأسمالي -الاستعماري- إلى حيث أصبحت علاقة أقرب إلى التكافؤ والندية والشراكة تحقيقاً للمصالح المتبادلة بين طرفي هذه المعادلة.

تنوع أساليب البريكس

ولأن علاقات الطرفين مستجدة كما أسلفنا وغير مسبوقة كما قد نكرر، فهي معرضة، بحكم هذا التعريف، إلى ما ترصده فصول الكتاب من تنويعات ومشكلات بل ومن تعارضات وتناقضات. وعلى سبيل المثال، يتوقف مؤلفنا ملياً ومن منظور التحليل النقدي عند تنوع الأساليب التي يتبعها أعضاء البريكس ومنها ما يلي:

•ضخامة الاستثمارات الطائلة التي تعمد الصين إلى توظيفها حالياً في ربوع القارة الإفريقية.

• اتساع الأنشطة الدؤوبة التي لا تفتأ تبذلها الهند في مجال استثمار واستزراع مساحات الأراضي الشاسعة في إفريقيا.

• اختيار البرازيل، وخاصة خلال حقبة رئيسها النهضوي الشهير سيلفا دا لولا على صياغة علاقات البرازيل مع إفريقيا وفق مبدأ التعاون فيما بين بلدان الجنوب.

• تركيز روسيا على جوانب السياسة وتوخي المصالح المتبادلة بين الطرفين الإفريقي والروسي.

• طموح جنوب إفريقيا إلى دور قيادي على صعيد القارة السمراء، يتم استقاؤه من حالات التفاعل المتواصل حالياً مع مجمل الأقطار الإفريقية، إلى الشمال الإفريقي وحتى ضفاف البحر المتوسط – أو إلى جنوب الصحراء الكبرى حتى الطرف القاري المطل على مياه المحيط.

يلفت أنظارنا، أخيرا، كيف أن علاقات متنامية بين مجموعة دول البريكس وإفريقيا، بكل ما احتوته، من صنوف التعاون والمعونات المقدمة إلى الطرف الإفريقي، قد أدت -كما يوضح مؤلف هذا الكتاب- إلى إضعاف النفوذ الذي طالما تمتعت به المنظومة المالية الدولية في إفريقيا، ويمثلها بالذات كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولدرجة أن تكشف صفحات الكتاب عن أن البنك الصيني للصادرات والواردات أصبح يتمتع بمزيد من النفوذ وقوة التأثير على الساحة الإفريقية.

مقابل ما أصبح يعتري نفوذ البنك الدولي والصندوق الدولي من تراجع وانحسار، فيما يرجع اتساع نفوذ الطرف المصرفي الصيني إلى ما تقدمه الصين عن طريق إمكانات مالية لدرجة جعلت المصرف الصيني أكبر مزود بالقروض الجديدة على مستوى القارة السمراء، ثم يتوازى مع هذه الظاهرة ما يشير إليه المؤلف أيضاً من نتائج الظاهرة التي يطلق عليها عبارة: عملية الجمع بين أوضاع المحلية وبين التّحول (إلى آفاق وساحات في الخارج).

وبقدر ما تتوازى سلوكيات الطرف الصيني من البريكس مع نظيره الطرف الهندي، فإن جنوب إفريقيا، وهي الطرف الأصغر بداهة في معادلة البريكس، لا تتورع – كما يلمح مؤلفنا – عن استغلال ما أصبحت الصين تنعم به من نفوذ إفريقي، يبلغ أحياناً حدود الرعاية أو الوصاية، من أجل أن توسع جوهانسبرغ الجنوب- إفريقية من نفوذها الإقليمي والعولمي على السواء. وهنا يعمد المؤلف أيضاً إلى تذكيرنا بأن الصين هي التي أكدت وأيدت انضمام جنوب إفريقيا إلى مجموعة البريكس طرفاً ممثلاً عن القارة السمراء.

نفوذ

يتوقف الكتاب ملياً عند ظاهرة يتوقع فيها المؤلف أن يزداد نمو التأثير، بل والنفوذ المنتظر أن تتمتع به دول مجموعة البريكس في إفريقيا. والسبب في تصوره يرجع إلى عوامل عدة، من بينها شراكة سابقة في معاناة تاريخ من السيطرة الاستعمارية، ومحاولات إيجابية ودؤوبة للحد من آفة الفقر بين جموع السكان، ثم وجود أسواق اقتصادية طامحة إلى مزيد من النمو والاتساع، فضلاً عن اتباع مبدأ يتمثل في العبارة التالية: الحرص على عدم التدخل في الشؤون الوطنية والقضايا المطروحة على الصعيد الداخلي.

المؤلف

بادريج كارمودي أستاذ اختصاصي في علم الجغرافيا البشرية. درس علوم التاريخ والجغرافيا وحصل في هذا التخصص على درجة الماجستير، ثم استكمل دراسته لنيل الدكتوراه في الجغرافيا من جامعة مينيسوتا بالولايات المتحدة في عام 1998. وقد نشر كتابه بعنوان «السباق الجديد في إفريقيا» وكتابه الآخر عن «بسمارك- 1883».

تأليف: بادريج كارمودي

عرض ومناقشة: محمد الخولي

الناشر: مؤسسة زد بوكس، نيويورك، 2015

عدد الصفحات: 148 صفحة

Email