الإخوان المسلمون والصعود إلى الهاوية (9)

التزوير يكتسح انتخابات الإخوان الداخلية

بديع وصل إلى موقع المرشد عبر مخطط مسبق أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يرصد الدكتور محمد حبيب النائب الأول لمرشد الإخوان في هذه الحلقة من مذكراته «الإخوان المسلمون والصعود إلى الهاوية» تفاصيل تزوير انتخابات الإخوان الداخلية على مستوى مكتب الإرشاد والمرشد العام وكيف أطيح به هو والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في تلك الانتخابات التي جرت نهاية 2009.

ولا يتردد المؤلف في تأكيد أن التزوير قد هيمن على انتخابات الإخوان الداخلية، وهو يلقي الضوء على تفاصيل دقيقة في هذا الشأن يكشف النقاب عنها للمرة الأولى.

ويؤكد الدكتور محمد حبيب أن تسمية محمد بديع مرشداً للإخوان جاء بناء على مخطط مسبق استهدف في المقام الأول استبعاده من قائمة المرشحين لهذا الموقع.

بعد أزمة الحوارات الإعلامية التي أجريتها مع الـ«الجزيرة» و«القاهرة إليوم» و«الشروق» اكتشفت للأسف أن بعضاً من أعضاء مكتب الإرشاد (الدكتور محمد مر سي تحديداً) انطلق يعقد لقاءات مع بعض المكاتب الإدارىة ليروج لفرية مفادها أن المكتب قام بتوجيه اللوم للدكتور حبيب، بل وصل الأمر إلى درجة التحقيق معه، ليس هذا فقط، وإنما أشاعوا لدى الإخوان في بعض المحافظات أن النائب الأول أخطأ في كذا وكذا، مستغلين في ذلك اتصالهم بأفراد الصف، الذين لا يعرفون حقيقة ما جرى.

كنت أود أن تنقل الصورة كاملة، حتى لو كان هناك لوم أو تحقيق. لكن ما نقل كان من منطلق «يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة»! وتلك هي خيانة الأمانة بعينها. ومع ذلك لم يكن عندي مانع من أن يقولوا ما قالوه، فقط كنت أرىد أن تتاح لي الفرصة لكي أرد وأوضح وأبين. لكن الوقت كان ضيقاً للغاية، والأحداث متسارعة.

المحطة الأخيرة

بعد مداولات كثيرة وخطابات متتالية بين حبيب والمرشد وأعضاء مكتب الإرشاد انتهى الأمر إلى الاتفاق على اللجوء إلى مجلس الشورى لاستطلاع رأيه في إجراء انتخابات مكتب الارشاد.

يقول حبيب: توجهت إلى القاهرة يوم الجمعة 4 ديسمبر عقب انتهاء أيام عيد الأضحي. وفي صبيحة اليوم التالي (السبت 5 ديسمبر)، التقيت المرشد في مكتبه، وإذا به يفاجئني بأنه سيغادر موقعه كمرشد في منتصف يناير.

أخذني الذهول، قلت والألم يعتصر قلبي: هل هذا هو ما اتفقنا عليه؟ فلم يرد.

في هذا اليوم جاءت استطلاعات مجلس الشورى العام، وكانت نتيجتها:

• 37 صوتاً مع إجراء انتخاب المكتب عن طريق مجلس الشورى العام الحالي.

• 32 صوتاً مع إجراء الانتخاب عن طريق مجلس الشورى الجديد، أي بعد يونيو 2010م.

• 16 صوتاً مع إجراء الانتخاب عن طريق مجلس الشورى الجديد، لكن بعد عام، أي بعد الانتخابات البرلمانية.

ودارت مناقشات مطولة حول هذه النتيجة: رأي يقول بإجراء انتخابات المكتب عن طريق مجلس الشورى الحالي على اعتبار الـ 37 صوتا، ورأي يقول بإجراء الانتخابات عن طريق مجلس الشورى الجديد، على أساس ضم الـ 32 صوتاً إلى الـ 16 صوتا.

وجرى اقتراح بالعودة إلى مجلس الشورى مرة ثانية لحسم المسألة، بحيث يكون التصويت على أساس خيارين فقط وليس على أساس ثلاثة خيارات. وكان هناك رأي بضرورة أن يكون الانتخاب عن طريق مجلس الشورى الجديد (بعد يونيو 2010م)، لأن من أولى مهام هذا المجلس اختيار مكتب إرشاد جديد طبقا لنص اللائحة.

سوف أحاربك

في صبيحة يوم الاثنين 7 ديسمبر، طلب المرشد عاكف مني أن نجلس سوياً في مكتبه، وحينما خلا المكان، قال وكأنه يسر إلى شيئا: أريد أن آخذ رأيك في أسماء اللجنة التي ستشرف على عملية انتخاب المكتب الجديد، فأنا أريد أن أطمئن إلى وجوده قبل أن أمضي في يناير. صعقت. إن الرجل لم يتأثر إطلاقا بما قلته له قبل يومين، وها هو يريد أن يتخذ الخطوة الأخيرة نحو ما يريد، ودار بيننا الحوار التالي:

قلت بلهجة حاسمة: عاكف، أريد أن أسألك، هل تراني متخلفاً عقلياً؟! هل أنا أهبل أو أهطل؟!

قال: لماذا هذا الكلام؟

قلت: هل تراني «بريالة» أمشي بالشارع وأقذف الناس بالحجارة؟

صمت ولم يقل شيئاً..

قلت: هل رأيتني ألبس «زكيبة» وأقف على باب السيدة وأمد يدي بالسؤال؟!

قال: وبعدين يا أخ محمد؟

قلت: لأنك أخلفت عهدك معي، لأنك غششتني، لأنك تعاملت معي بطريقة لا تليق ولا تجوز.

قال: «مالوش» لازمة هذا الكلام.

قلت: نحن مازلنا نناقش استطلاع رأي مجلس الشورى، مع أن رأيي أن يجرى الانتخاب عن طريق مجلس الشورى الجديد حيث يرى 48 عضواً ذلك.

قال: ومن قال إن الـ 16 صوتا يجب أن تضم إلى الـ 32 صوتا؟

قلت: المنطق والعقل يقولان ذلك (طبعا أيقنت أن المناقشة التي جرت في هيئة المكتب منذ يومين قد نقلت إليه، بل تم إقناعه بتغليب الرأي القائل بإجراء الانتخاب عن طريق مجلس الشورى الحالي، وهو ما يريده شخصياً) ثم استطردت: إذن فلنعد إلى مجلس الشورى.

قال بعصبية (بعد أن ضرب بقبضة يده على مكتبه): لن أعود لمجلس الشورى.

قلت: إذن سوف أحاربك على هذه (وأشرت بيدي على عنقي).

تساؤلات شائكة

حاولت للمرة الأخيرة مع المرشد عاكف التأكيد على ما قاله المستشار فتحي لاشين، وهو أن يكمل مجلس الشورى الحالي دورته، وبعد اختيار المجلس الجديد يتم اختيار مكتب إرشاد جديد ثم تسمية المرشد المقبل. هنا فقد عاكف أعصابه، وثار ثورة عارمة، حاولت تهدئته والتفاهم معه، لكنه كان منطلقا في ثورته، وإذا به يصيح قائلا: سأجري انتخاب المكتب قبل أن أغادر في يناير «غصباً» عنك، واذهب واكتب في «الجرايد» ما تريد.

بدا لي أن المسألة معدة سلفاً، إذ كان من المفترض أن يقول انتظر حتى نرى استطلاع مجلس الشورى، لكن يبدو أن عصبيته كشفت دون أن يدري ما كان يريد أن يخفيه.

واجهته بعنف، وقلت: يا أستاذ عاكف، لقد كنت سبباً في توريط الجماعة في مواقف كثيرة، وها أنت الآن تريد أن تصيبها بالتشرخ والتصدع، كفاك مخالفة للنظم واللوائح.

في صبيحة يوم الأربعاء (16 ديسمبر) عقد المكتب جلسته برئاسة عاكف، وجاءت نتيجة استطلاع رأي مجلس الشورى، وكانت كما يلي:

1ـ 54 صوتاً مع انتخاب مكتب الإرشاد عن طريق مجلس الشورى الحالي (الآن)!!

2ـ 31 صوتاً مع الانتخاب عن طريق مجلس الشورى الجديد، أي بعد شهر يونيو 2010.

أثارت هذه النتيجة عندي تساؤلات عدة:

هل من المعقول أن يغير الـ 16 عضواً جميعاً رأيهم من إجراء الانتخاب بعد عام إلى إجرائها الآن؟ وما هو تفسير ذلك؟ ولماذا غير واحد من الـ 32 الذين صوتوا لإجراء الانتخاب عن طريق مجلس الشورى الجديد (بعد ستة أشهر)، وانضم إلى الذين صوتوا مع مجلس الشورى الحالي؟

اختيار بديع مرشداً

وقبل ظهر يوم الخميس 31 ديسمبر، فوجئت بتوزيع ورقة استطلاع رأي على أعضاء مجلس الشورى العام متضمنة ثلاثة أسماء فقط (محمد بديع، جمعة أمين، ورشاد بيومي) لاختيار واحد من بينهم ليكون المرشد الجديد. ولم تتضمن القائمة اسمي ولا اسم محمود عزت، الذي اعتذر عن الدخول في المنافسة. وبناء على ذلك أرسلت برسالة إلى بعض أعضاء مجلس الشورى العام ليتولوا تعميمها فيما بينهم، وقد بعث بها أحدهم إلى موقع إسلام أون لاين، أعلن فيها اعتذاري وعدم رغبتي في الترشح لموقع المرشد.

بالطبع، جرى اختيار الدكتور محمد بديع مرشداً كما كان مخططاً، وتم لهم ما أرادوا.

لقد سبق أن أوضحت كيف تم اختيار أعضاء مكتب الإرشاد، وأن هذا الاختيار تم توجيهه والتحكم فيهمن قبل بعض أعضاء المكتب حتى تأتي تركيبته وفق مرادهم من ناحية، وحتى يتم التخلص من عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب .

من المسؤول؟

من الأمانةوأنا أدلي بشهادتي للتأريخأن أقول: إن عاكف قام بتسليم زمام الجماعة لصهره وخال أولاده، الدكتور محمود عزت. قد يكون هذا الكلام شديداً، لكنها الحقيقة التي لا أشك فيها والتي سوف ألقى الله تعإلى عليها. فلم يكن المرشد يستمع إلا له، ولا يثق إلا فيه، ولا يعتد إلا برأيه، وكان ذلك واضحاً أمام الجميع في كل المواقف، والأمثلة على ذلك كثيرة، وهي أجل من أن تحصى.

ونظراً لهذا الوضع الغريب، اتسعت وتضخمت صلاحيات الدكتور عزت إلى درجة خطيرة صار معها متحكماً في كل مفاصل الجماعة. ولأنه لم يكن بإمكاناته أو قدراته مؤهلاً للقيام بدور الأمانة، أصبح معوقاً لكثير من الأمور، وبات معروفاً للجميعكبيراً أو صغيراًأن كل أمور الجماعة لا يمكن أن تمضي إلا من خلاله.

وقد نبهت المرشد مراراً وتكراراً لهذا الوضع الكارثي، وأن هناك آثاراً خطيرة بدأت تظهر وتفعل فعلها على مستوى المكتب، والقيادات الوسيطة، والصف. لكنه أصم أذنيه تماما واتهمني بأني أحمل على صهره في غير ذي موضوع. ولما تكررت الشكاوى من كثيرين، حتى من القريبين والمساعدين للدكتور عزت، لم يزد المرشد إلا أن يردد: وماذا أفعل؟ فهـل كـان الرجــل عاجــزا فعـلا؟ لا أدري.

قائمة عزت تهيمن على الجولة الأولى وعلامات استفهام حول تصعيد العريان

جدل بين عاكف والعريان

في صبيحة يوم الثلاثاء 8 ديسمبر، كان في مكتبي الحاج أسعد زهران والدكتور عصام العريان حين دخل علينا المرشد عاكف وجلس قبالة عصام العريان الذي بدأه بالحديث، فقال: أستاذ عاكف، أرى أن الاتفاق على تسمية المرشد المقبل هو الأساس، ومتى تم الانتهاء منه فسوف تحل كل المشكلات.

ثار عاكف في وجه الدكتور عصام وقال: لا، المهم أن يأتي مكتب إرشاد قوي أولاً، أما مسألة المرشد فهي سهلة ولا تحتاج إلى جهد. ودار جدل عقيم بينهما، وأنا صامت لا أتكلم.

هكذا تم استبعاد حبيب

في الساعة الحادية عشرة من صباح الاثنين 21 ديسمبر، جاءني أربعة من النواب وتحدثوا معي عن زيارتهم للأستاذ عاكف، وأنه لن يعلن أسماء أعضاء مكتب الإرشاد الجديد، وأنه منتظر عودتهم وأنا معهم. حاول النواب حملي إلى مقر مكتب الإرشاد حملاً، فرفضت.

وحدث اتصال بين أحدهم وبين عاكف حيث طلب الأخير أن أتكلم معه، فرفضت أيضا، وقلت: يكفي أن يجلس هو مع المكتب ويقروا ما حدث من إجراءات. ونزل النواب من عندي بعد صلاة الظهر مباشرة، وفوجئوا بعاكف يعلن أسماء أعضاء المكتب الجديد قبل وصولهم إليه.

في عصر ذلك اليوم، جاءني أحد الذين كانوا يقومون بفرز الأصوات (هو الدكتور أحمد عبد الرحمن، مسؤول مكتب إداري الفيوم)، وأخبرني بأن 14 عضوا من 16 فازوا من أول مرة، حيث حصلوا على الأغلبية المطلقة.

وتعجبت لذلك، لقد نجح 3 من 5 من أول مرة في الانتخابات التكميلية التي جرت في مايو عام 2008م، وكان فيها ما فيها من ملاحظات، فكيف ينجح 14 من 16 رغم أن عدد الناخبين واحد، وهو 85 عضوا، ليس هذا فقط ولكن أشخاص الناخبين أنفسهم؟ وقد سألت بعض أساتذة الإحصاء حول هذه النتيجة، فأكدوا استحالة ذلك، إلا إذا كانت هناك «قائمة» متفق عليها!

أما فيما يتعلق بتحديد الخمسة الذين سيتم تسمية المرشد من بينهم، فقد وقع اختيار أعضاء الشورى الـ 85 على الأسماء الآتية مرتبة ترتيباً تنازلياً: محمد بديع، محمد حبيب، محمود عزت، جمعة أمين، ورشاد بيومي.

لقد قيل إن السبب الرئيسي وراء رسوب النائب الأول للمرشد في انتخاب المكتب هو خروجه إلى وسائل الإعلام وإفشاء «أسرار» الجماعة! قلت هذا ادعاء غير صحيح ، إذ كيف يرسب النائب الأول ويفوز محمود عزت وجمعة أمين ورشاد بيومي في انتخاب المكتب، بينما هو يتفوق عليهم في اختيار الخمسة الذين سيتم تسمية المرشد منهم، حيث كان ترتيبه الثاني؟

وقد أخبرني الدكتور جمال نصار بعدها بأشهر أنه علم من الأخ محمد السروجي أنه سأل الدكتور مصطفي الغنيمي، الأمين المساعد لمحمود عزت لقطاع وسط الدلتا، قبل أن تجرى انتخابات المكتب عن توقعاته، فقال له: الدكتور حبيب لن يأتي.

المؤلف في سطور

قضى الدكتور محمد السيد حبيب، كاتب هذه المذكرات، 40 عاماً داخل صفوف جماعة الإخوان، منها 25 عاماً عضواً بمكتب إرشادها الذي التحق به عام 1985، وخرج منه مطلع 2010، بعد «إسقاطه» في انتخابات داخلية أثارت عاصفة من الجدل نهاية 2009.

بحكم موقعه كنائب أول لمرشد الجماعة، اطلع الدكتور حبيب على أدق تفاصيل وأسرار التنظيم، من علاقة الإخوان بنظام مبارك إلى اتصالاتهم مع الأميركيين، كما وقف على مصادر تمويل الجماعة، التي وصفها بأنها سر لا يجوز حتى للأعضاء الاطلاع عليه.

مذكرات نائب المرشد محمد حبيب - تنشر بالتعاون مع «الشروق»

Email