الإخوان المسلمون والصعود إلى الهاوية (8)

فتنة العريان تشعل الخلاف في مكتب الإرشاد

؟؟؟؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

المرشد عاكف وأعضاء مكتبه يتبادلون الاتهامات مع تصاعد الأزمة Ⅶ التنظيم يقع في قبضة مجموعة ضيقة وسط مسلسل من الأزمات Ⅶ الذبح والاغتيال المعنوي يتصدران عقوبات إفشاء أسرار «الجماعة» Ⅶ عاكف يعطي صهره صك التصرف وإدارة كل شؤون «الإخوان» Ⅶ المرشد يفوض حبيب صلاحياته ويكتب استقالته ثم يتراجع

يواصل محمد حبيب نائب مرشد الإخوان الأسبق، في هذه الحلقة من مذكراته، رصد المعطيات التي صعدت بالجماعة إلى الهاوية، ويحكي بالتفصيل عن الفتنة التي واكبت محاولات مرشد الإخوان السابق محمد مهدي عاكف، لتصعيد عصام العريان كعضو في مكتب الإرشاد، ورفض باقي قيادات المكتب لهذا القرار.

ونتج عن تعنت أعضاء المكتب تقديم عاكف خطاب استقالته، ثم عاد ونفاه. واعترف المرشد لنائبه بأن الجماعة تدار من خلف ظهره، حتى تحول إلى «طرطور» على حد تعبير المرشد نفسه.

ويشير محمد حبيب إلى أن عاكف في نهاية المطاف، منح صهره صك التصرف وإدارة أمور الجماعة، وأن الجماعة خرجت عن سيطرته عملياً، ووقعت في قبضة مجموعة ضعيفة على رأسها صهره.

في يوم الأحد 11 أكتوبر 2009 جاءني الدكتور محمود عزت، ثم الدكتور محمد مرسي، وتحدثا معي قليلا، لكن الحديث المفصل كان بعدها بيوم، أي يوم الإثنين، ولم يختلف في مجمله عما رواه الأخوان محمد بديع وسعد الكتاتني. قلت: سأتصل بالمرشد لأسمع منه، وقد تم ذلك بالفعل في صبيحة اليوم التالي (الثلاثاء 13 أكتوبر 2009)، حيث دعاني لتناول الغداء معه في مزرعته.

على مدار ثلاث ساعات تقريباً، روى لي محمد عاكف والمرارة تعتصره ما كان من أعضاء المكتب، والحقيقة أن الروايتين لم تختلفا كثيرا، اللهم إلا في اتهام المرشد لهم بعدم قبول الدكتور عصام العريان كعضو في مكتب الإرشاد، يقابله بلا شك اتهام أعضاء المكتب له بمحاولة فرضه عليهم، وقال إن الحاج حلمي عبد المجيد غير مستريح وغير راض عن سلوك أعضاء المكتب في هذه القضية...

وأنهم أحرجوه حرجاً بالغاً. قلت: كنت أرجو ألا تصل الأمور إلى هذا الحد، وكان من الممكن أن تناقش بهدوء على أساس اللائحة، خاصة أنها في صالح الدكتور عصام، وإذا كان ثمة اختلاف في تفسيرها، فكان بالإمكان اللجوء إلى لجنة قانونية، ويكون رأيها ملزما للجميع، أما وقد وصلنا إلى هذه الحال والدنيا كلها تتحدث عنه، فلابد من احتواء المشكلة حتى لا تتفاقم أكثر من ذلك.

قال المرشد: ألا يزال أعضاء المكتب على رفضهم قبول الأخ عصام؟

قلت: لا أخفي عليك، هم مصرون على رأيهم.

قال المرشد: وأنا أيضا مصر على رأيي، وبالتالي فلن نلتقي.

خارج السيطرة

رويت للمرشد جانباً مما وضعت يدي عليه، وكيف أن الجماعة وقعت تحت سيطرة عدد محدود للغاية من أعضاء المكتب (أسميتهم له)، تقوم بالتخديم عليها دائرة محيطة بها من ستة أعضاء (أسميتهم له أيضا)، وأن هذه وتلك ليس قرارها بيدها، وإنما بيد غيرها (أسميته له كذلك)، وأني على استعداد لمواجهة الجميع، وقد حملت المرشد المسؤولية الكاملة عما جرى وما زال يجري.

اكتنفت المرشد ـ وهو يستمع إليّ في تلك اللحظات ـ سحابة كثيفة من الذهول، أفاق بعدها ليقول: يعني أنا كنت، وأشار بيده إلى ما يوضع فوق الرأس، يقصد أنه كان «طرطوراً».. قلت: نعم، لكنك أنت السبب. قال: وهل هذا جزائي أني وثقت بهم؟ قلت: لقد تخليت عن دورك الذي كان يجب عليك أن تقوم به.

وهذه حقيقة، «لقد غاب القط فلعبت الفئران»، بل إن القط لم يترك قططا أخرى تقوم بدوره ووقف مانعاً وحائلاً دون ذلك بشكل مثير للريبة والشك والقلق. الأخطر من هذا أنه لم يكن يثق في أحد سوى صهره (محمود عزت) الذي أعطاه صك التصرف وإدارة الأمور وفق رؤيته واجتهاده.

قال المرشد: وما العمل الآن؟

قلت: ما يهمنا هو إنقاذ الجماعة، إن أفراد الصف الآن فقدوا القدرة على الابتكار والإبداع.

قال المرشد: سوف أكتب لك رسالة ـ تصلك يوم السبت (17 أكتوبر 2009) ـ بالقيام بعمل المرشد في الفترة الباقية، وهي عموما شهران ونصف الشهر تقريبا.

قلت: أرجو ألا تفعل، فذلك سوف تكون له عواقبه.

قال المرشد: أنا مصر على رأيي.

قلت: عندي حل، اذهب غداً صباحاً إن شاء الله إلى الحاج حلمي عبد المجيد وتناقش معه في الأمر برمته، والذي تتفقان عليه سيكون فيه الخير.

في العودة من المزرعة، كان المرشد يفكر بانفعال وغيظ، وسأل: هل من الممكن أن نقيل الأمناء المساعدين (يعتبرون أذرع الأخ عزت بصفته أمين عام الجماعة)؟

قلت: المسألة أكبر وأبعد من ذلك، وتحتاج إلى تفكير هادئ وعميق .

في صبيحة يوم الأربعاء 14 أكتوبر 2009 قمت برئاسة جلسة مكتب الإرشاد، وأخبرتهم بما يلي:

أولا: إصرار المرشد على تصعيد الدكتور عصام العريان إلى مكتب الإرشاد.

ثانيا: ذهابه إلى الحاج حلمي عبد المجيد للتشاور معه.

إزاء ذلك كرر أعضاء مكتب الإرشاد ثباتهم على موقفهم ورفضهم تصعيد عصام إلى المكتب، مع ضرورة متابعة ما تسفر عنه زيارة المرشد للحاج حلمي عبد المجيد.

لم أستطع الاتصال بالحاج حلمي يوم الأربعاء، لكني تمكنت من ذلك صبيحة الخميس (15 أكتوبر)، جاء صوته عبر الهاتف مرحباً متهللاً كعادته.

قلت: أريد أن آتيك.

قال الرجل الذي تخطى الثانية والتسعين: لا، أنا الذي آتيك ولو حبواً، فقط قل لي متى وأين؟.

قلت: لقد زارك المرشد عاكف البارحة.

قال مقاطعاً: نعم، ثم أردف: ألم يمر عليك؟

قلت: لا.

قال: لقد حكي لي عما فعله الإخوة معك من تصرفات صغيرة، وعموما نحن اتفقنا على أن تحمل أنت العبء كله، وسيكون قريبا منك لتذليل أي عقبة تعترض طريقك، بحكم المشروعية.

قلت: سوف أتصل به لمعرفة التفاصيل.

خطاب الرحيل

في يوم الأحد 18 أكتوبر 2009 حضر المرشد إلى دار المركز العام، ودلف إلى غرفة الاجتماعات مباشرة بعد أن أحضر معه رئيس تحرير موقع إخوان أون لاين بحاسوبه كي يكتب ما سيمليه عليه، ألقى المرشد كلمته في الحاضرين، وكان أبرز ما فيها تفويض النائب الأول للمرشد في تسيير شؤون الجماعة لحين اختيار المرشد العام الجديد.

وعاد حبيب في مذكراته إلى الكلمة التي ألقاها محمد بديع عقب عرض خطاب تنحي عاكف، حيث قال بديع موجها حديثه للمرشد: انتظر حتى تعرض هذه الكلمة ولو غدا على مكتب الإرشاد، فرفض المرشد ذلك بشدة.

حاول محمد عبد القدوس وبعض الإخوة الآخرين إثناء عاكف عن عزمه والرجوع عما قال، فأصر وقام من فوره وغادر غرفة الاجتماعات، والتقى وهو ذاهب إلى مكتبه بالدكتور محمد البلتاجي، فكلفه هو والدكتور عبد الرحمن البر بأن يقوما بتشذيب الكلمة التي ألقاها.

في اعتقادي أن المرشد لم يكن صادقا في استقالته، كان يريد استعادة كرامته المسلوبة التي أهدرها أعضاء المكتب يوم رفضوا الاستجابة لرغبته ورجائه في تصعيد الدكتور عصام إلى مكتب الإرشاد.

في الساعة السابعة والنصف مساء من اليوم نفسه، بلغ القلق بالمرشد مداه، ويبدو أنه أدرك أن المسألة في حاجة إلى من يفتيه فيها قانونياً (أو لوائحياً)، فاتصل بعبد المنعم عبد المقصود المحامي.

فلما جاءه عرض عليه المرشد نص الكلمة المكتوبة. فقال له: هذه استقالة يا أستاذ، وأرجو ألا تعلنها (!!) وأن تؤجلها لآخر يوم تتقاعد فيه. ونسي عبد المنعم أن الاستقالة قد وصلت إلى الدنيا كلها، وأن نفيها سوف تكون له تفسيراته وتأويلاته التي لا تخفى على لبيب. المهم أن المرشد استدعى على عجل رئيس تحرير موقع إخوان أون لاين، وأمره أن يبث خبراً على الموقع ينفي فيه موضوع الاستقالة!

اتصل بي المرشد صباح يوم الإثنين (19 أكتوبر)، وأخبرني بما حدث في الليلة الفائتة، وكيف أن الأخ عبد المنعم عبد المقصود «صحاه»، أي أيقظه. فقلت: ألم أحذرك من هذا الأمر؟ ألم أقل لك لا تقدم على هذه الخطوة؟ يا أستاذ عاكف.. إن الإعلان بهذه الكيفية يفقدنا مصداقيتنا أمام الإخوان والرأي العام.

من المؤكد أنه كان من الأسلم ألا يدلي المرشد أصلاً بالكلمة التي أعلن فيها أمام إخوانه الذين حضروا كلمته، والتي نقلتها وكالات الأنباء بأنه قرر الرحيل عن القيادة، أما وقد حدث فكان من الأوفق والأفضل ألا يلجأ إلى الإنكار، إذ ليس في الرحيل ما يعيب أو ينتقص من القدر، لا من المرشد ولا من المكتب ولا من الجماعة.

أخبرت أعضاء المكتب بما كان من المرشد. وبعد نصف ساعة تقريبا فوجئت به يأتي إلى المركز العام، فقمت إليه طالبا منه الحضور إلى غرفة الاجتماعات ليرأس الجلسة، فرفض. قلت:

إذن يأتيك الإخوان، ولم أكمل كلماتي حتى وجدت أعضاء المكتب يتوافدون واحدا بعد الآخر إليه في مكتبه. ودار حديث ودي، لكن المرشد كان بادي التوتر والعصبية رغم محاولتهم جميعا خطب وده بشتى الوسائل والطرق. ولما كنت قد شرعت في كتابة تصريح صحافي حول موضوع الاستقالة قبل دعوة المرشد لي إلى بيته، فقد قمت سريعا لاستكماله. وبعد الانتهاء منه، قرأته عليهم فحاز قبولهم وتم بثه.

فوجئت في جلسة مكتب الإرشاد التي كنت أرأسها صبيحة يوم الأربعاء (21 أكتوبر) بهجوم شديد كأنه طلقات الرصاص، خاصة من محمد بديع ومحمود غزلان، وبدرجة أقل كثيرا، من الإخوة محمد مرسي ومحيي حامد وجمعة أمين.

كان الهجوم بسبب حواري قناة «الجزيرة» وصحيفة «الشروق». أما لاشين أبوشنب فقد أثنى على حوار «الجزيرة»، إلا أنه كان معترضا فقط على وصف ما حدث بين المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد بالأزمة.

كان مجمل رأي الأخوين بديع وغزلان يتلخص في أن كاتب هذه السطور أفشى أسرار الجماعة.

وقد استمعت إلى الإخوة بإنصات كامل على مدار ساعة تقريبا لم أقاطع فيها أحداً، لكني كنت في قمة الذهول وأنا أستمع إليهم، إذ محال أن يكون هذا هو تفكير أعضاء مكتب إرشاد يقود جماعة بهذا الحجم والتاريخ.

ولما كان وقت صلاة الظهر قد دخل، فقلت: نقوم إلى الصلاة ثم نعود لمناقشة ما تكلمتم فيه. وبعد الصلاة اجتمعنا مرة أخرى، وإذا بهم يقولون: خلاص، انتهى الأمر. قلت بحسم: لا، لم ينته، فقد تكلمتم وقلتم ما عندكم، ومن حقي أن أرد على كل ما أثرتموه، ثم توجهت بحديثي إلى محمد بديع وقلت: يا أخ بديع، لم أرك يوماً عنيفاً بهذا الشكل. فرد قائلا: من الألم، من المعاناة، انزل إلى الصف وأنت ترى الإخوان في الصف في غاية الغضب!!

قلت: يا أحباب، دعونا نفرق بين ما هو عام وخاص، بين ما يجب أن يعرف وما لا يعرف، أنتم للأسف تريدون اعتبار الجماعة كلها كياناً سرياً لا يعرف عنه أحد شيئا، هل نسيتم أن محاور الخطة الماضية (2005 ـ 2008) هي الانفتاح على المجتمع وإيقاظ الأمة لمواجهة التحديات؟

فقولوا لي بالله عليكم: كيف يتم ذلك؟ هل يتم بالريموت كنترول؟ كيف يتم الانفتاح على المجتمع وأنتم معزولون عنه، لا يعرف عنكم شيئا؟ تقولون له: لا شأن لك بنا، فما يجري هو شأن داخلي!

 المؤلف في سطور

قضى الدكتور محمد السيد حبيب، كاتب هذه المذكرات، 40 عاماً داخل صفوف جماعة الإخوان، منها 25 عاماً عضواً بمكتب إرشادها الذي التحق به عام 1985، وخرج منه مطلع 2010، بعد «إسقاطه» في انتخابات داخلية أثارت عاصفة من الجدل نهاية 2009.

بحكم موقعه كنائب أول لمرشد الجماعة، اطلع الدكتور حبيب على أدق تفاصيل وأسرار التنظيم، من علاقة الإخوان بنظام مبارك إلى اتصالاتهم مع الأميركيين، كما وقف على مصادر تمويل الجماعة، التي وصفها بأنها سر لا يجوز حتى للأعضاء الاطلاع عليه.

طريقة المرشد

كانت طريقة المرشد في معظم الأحوال خلال ستة أعوام، أن يقوم بإصدار تصريحات واتخاذ مواقف منفردة ومباغتة وغير مدروسة، وتكون النتيجة وقوعنا في حرج وحيرة، لا ندري ساعتها ماذا نفعل! لقد أشعل كثيراً من النيران في تلك المدة، وكانت مهمتنا الرئيسية هي إطفاء هذه النيران!

نزلت من عنده بعد أن أكد أن تفويضه لي ما زال قائماً. حاولت معه جاهداً أن يأتي معي إلى المركز العام، لكنه رفض، فرجوته ألا يتغيب عن مكتبه، وإن لم يكن حضوره يومياً فلا أقل من أن يكون مرة كل يومين.

 في هذا اليوم (19 أكتوبر 2009)، اتصل ضياء رشوان بالمرشد لترتيب لقاء معه في الليلة ذاتها مع الإعلامي عمرو أديب في برنامجه المعروف «القاهرة اليوم» بقناة «أوربت». رفض المرشد وأوصاه بالاتصال بي. وبعد حوار معي، وافقت على الظهور في البرنامج.

بعدها بدقائق جاءني الصحافي محمد سعد عبد الحفيظ من جريدة «الشروق» لعمل حوار معي حول الأزمة وما انتهت إليه، فوافقت على أن يأتيني بمنزلي في التاسعة مساء قبل ذهابي إلى قناة «أوربت». وفوجئت بتلميذنا الدكتور جمال نصار يأتي إلى مكتبي ليخبرني بأن حسين عبد الغني مدير مكتب قناة «الجزيرة» في القاهرة آنذاك قد اتصل به يطلب تسجيل حوار معي لبرنامج «لقاء اليوم».

فقلت: لا نريد أن نلهث وراء الفضائيات. فقال جمال: قناة «الجزيرة» أولى مئة مرة من قناة «أوربت»، وإذا كنا قد وافقنا لها فمن الأوفق والأفضل أن نوافق لقناة «الجزيرة». ولما وجدت الكلام منطقياً، وافقت.

جاء حسين عبد الغني إلى المركز العام، وأجرينا تسجيلاً للحوار على أن تبثه القناة عصر اليوم التالي، أي الثلاثاء (20 أكتوبر)، ويعاد بثه صباح الأربعاء (21 أكتوبر). وحين علم أني سأظهر على قناة «أوربت» مساء الإثنين (19 أكتوبر)، اقترح أن تبث فقرة بسيطة من الحوار في الليلة نفسها، أي قبل بث قناة «أوربت».

وقد بثت قناة «الجزيرة» فقرة مجتزأة من الحوار تركت أثراً سيئاً لدى عموم من شاهدها من الإخوان، خاصة أن تقرير حسين عبد الغني الذي سبقها كان ـ على حد قول من سمعه وشاهده ـ غاية في السوء.

لم أذهب إلى المكتب يوم الثلاثاء، وتناول بعض أعضاء المكتب التعليق بالسلب على الفقرة التي بثتها قناة «الجزيرة»، وقام أحدهم باستحضار تفريغ للحوار، وقرأه على المرشد فكان رأيه إيجابياً، ربما كانت هناك عبارة واحدة تخصه لم تعجبه، لكن الحوار كان في مجمله طيباً

.إعداد: محمد سعد عبد الحفيظ

تنشر بالتعاون مع «الشروق»

 

Email