الإخوان المسلمون والصعود إلى الهاوية (3)

سيناريو أميركي لإزاحة مبارك وتمكين الإخوان

الوقفات أمام نقابة المحامين جسّدت توجهات القوى السياسية أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يروي محمد حبيب في هذا الفصل من مذكراته بعنوان «الإخوان المسلمون والصعود إلى الهاوية» قصة صعود محمد مهدي عاكف إلى منصب مرشد الجماعة السابع، ويقول: أول مرة التقيت بمحمد عاكف كانت ببيته في منى بعد أن رمينا جمرات العقبة الثلاث عام 1983، وكان أيامها يعمل بالندوة العالمية، وقد استضافنا الرجل ـ احتفاء بنا ـ على طعام الإفطار..

وفي المرة الثانية، التقيته بألمانيا، في المركز الإسلامي بنورمبرج، في خريف عام 1985، وكان قادماً من ميونيخ (حيث كان مديراً للمركز الإسلامي بها) للسلام على عمر التلمساني ومصطفي مشهور، ولم يكن حتى ذلك الوقت عضوا بمكتب الإرشاد. أما المرة الثالثة فكانت عام 1987..

حينما تم استدعاؤه من ألمانيا وتعيينه عضوا بالمكتب ليترشح على قائمة التحالف في انتخابات مجلس الشعب، والتي فاز فيها ومختار نوح في دائرة مصر الجديدة، ولما كنت أنا أيضا من الذين فازوا بعضوية البرلمان، فقد جمعتني وإياه لقاءات المكتب والمجلس. ومن هنا كان التواصل.

يقول محمد حبيب: كنت في أسيوط حينما تلقيت نبأ وفاة الهضيبي، نحو الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم 8 يناير 2004، وعلى الفور قررت السفر بسيارتي إلى القاهرة، وفي السابعة صباحاً كنت في دار المركز العام بالروضة، ولأنه لم يكن هناك نائب للمرشد في القاهرة، فقد أصبح محمد هلال أكبر الأعضاء سناً هو القائم بعمل المرشد .

ترأس هلال الجلسة، ودار حوار حول ضرورة أن يتم اختيار أحدنا مرشدا في هذه الجلسة (..) طرح عاكف على الحاضرين استثناءه من الترشيح، على اعتبار أنه بلغ السادسة والسبعين من عمره، فلم يوافقه أحد على ذلك، وفي اعتقادي أن عاكف كان يستبعد اختياره مرشدا لأسباب كثيرة يعلمها من كان حاضرا، لذلك قرر أن يعفي نفسه من الحرج منذ البداية، لكن الله تعالى أراد شيئا آخر.

اقترحت عليهم أن يكون لكل واحد منا ثلاثة أصوات يختار بها ثلاثة من الأعضاء، توسيعا لقاعدة التصويت، أي يكون عدد المصوتين 39 بدلا من 13، فوافقوا على ذلك،

في المرة الأولى حصلت أنا وعاكف والشاطر على أعلى الأصوات، وفي المرة الثانية حصلت وعاكف أعلى الأصوات،

وفي المرة الثالثة، حصل عاكف على 7 أصوات مقابل 6 أصوات كانت من نصيبي، ليفوز بالمنصب بفارق صوت واحد.

كان عاكف جالسا في الصالة خارج غرفة المكتب، منتظرا للنتيجة، خرجت إليه وكنت أول المهنئين له، رأيت عينيه تدمعان وهو يقول غير مصدق: أنا لا أقوى على هذا، أنا ضعيف. قلت: سوف يكون إخوانك عونا لك.

غير أننا فوجئنا بعاكف يقوم بعدها، ويدخل إلى غرفة المكتب، ويجلس إلى مكتب المرشد، فنبهه محمد هلال إلى أنه لم يصبح مرشدا بعد، وأن عليه الانتظار حتى تأتي موافقة مجلس الشورى الدولي..

وأنه ـ أي هلال ـ ما زال قائما بعمل المرشد، اعتبر عاكف ما قاله هلال مزحة، لم يتوقف عندها طويلا، والتفت إلينا قائلا: ما رأيكم في أن يكون الدكتور محمد حبيب نائبا أول والمهندس خيرت الشاطر نائبا ثانيا؟ثم أردف: ما رأيكم في أن يظل الدكتور حسن هويدي، نائبا ثالثا؟ قالوا: لا بأس.

جاءتنا موافقة الشورى الدولي يوم 14 يناير 2004، وبذلك أصبح مهدي عاكف مرشدا منذ ذلك التاريخ.

عن التحالف الوطني

بعد التجربة التي خضناها مع الأحزاب في مايو/ يونيو 2004 والتي لم يكتب لها النجاح، فكرنا في مايو 2005 أن نخوض تجربة أخرى، ليس مع الأحزاب فقط وإنما مع كل التيارات السياسية الموجودة على الساحة، وارتأينا أن ندعو ممثلي هذه التيارات، على اختلاف أوزانهم، إلى عدة لقاءات للمناقشة والحوار حول مشروع يجتمع عليه كل الفرقاء، لانتشال سفينة الوطن من الغرق.

كنا ـ كإخوان ـ نريد أن تشارك كل القوى في بلورة هذا المشروع، بحيث لا يشعر أي فصيل أو تيار، مهما صغر حجمه أو قل وزنه، أنه تم تهميشه أو إقصاؤه، لقد كانت مشكلة حركة «كفاية» معنا هي دعوتها إيانا مشاركتها في أي نشاط لها بعد أن تكون قد فرغت من كل شيء؛ الفكرة والوسيلة والهدف والتوقيت والمكان، وما نحن إلا«مقاولو أنفار».

تم توجيه الدعوة إلى ممثلي كل التيارات السياسية، وتم عقد ثلاثة لقاءات، انتهت إلى ضرورة إنشاء «التحالف الوطني من أجل الإصلاح»، وفي مساء 30 يونيو 2005 اجتمعت الهيئة التأسيسية للتحالف في نقابة الصحافيين، وحضرها جمع غفير يصل إلى أكثر من 1500 عضو.

كان عدد أعضاء الأمانة العامة للتحالف الوطني من أجل الإصلاح 36 عضوا، يمثلون فيها بـ 9 أعضاء، أي بنسبة 25 %، وقد عقدت الأمانة العامة اجتماعها الأول بمقر النقابة العامة للمحامين، وكان على جدول الأعمال: اختيار الأمين العام، تشكيل اللجان الفنية، أسلوب عمل التحالف في المرحلة المقبلة، وهكذا، وقد اتفقت الأمانة على أن يكون منصب الأمين العام بالتناوب بين القوى المكونة للتحالف، كل ثلاثة أشهر.

أول تظاهرة قمنا بتنفيذها كانت يوم الاربعاء 20 يوليو 2005 أمام نقابة المحامين بوسط القاهرة، وكانت بهدف دعم القضاة في مطالبهم باستقلال السلطة القضائية .

ثاني تظاهرة أقمناها كانت في شهر أغسطس 2005، وكان مزمعا إقامتها في ميدان عابدين، إلا أن الأجهزة الأمنية اعترضت على ذلك بشدة، فاضطررنا لإقامتها بمكان التظاهرة الأولى نفسها.

تحرك نشط

في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، أنشأ الدكتور عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق مع بعض الرموز الوطنية والشخصيات العامة ما سمي بالتجمع الوطني للتحول الديمقراطي، وكان من أبرز دعائمه: يحيى الجمل، حسن نافعة، ضياء رشوان، مصطفى بكري، عبد الحميد الغزالي وغيرهم.

وقد اعتبر التجمع الوطني أن جميع مشكلات مصر الأساسية ناجمة عن أزمة الحكم بشقيه: الاستبداد والفساد، وأن الطريق إلى مواجهة ذلك تكمن في حزمة الإصلاح السياسي، والتي يتبناها التحالف الوطني من أجل الإصلاح. ونظرا لاقتراب موعد انتخابات مجلس الشعب المصري، بدأت بعض الرموز الوطنية التفكير في جمع كل القوى السياسية تحت مظلة واحدة باسم «الجبهة الوطنية من أجل التغيير».

المهم أن الجبهة الوطنية ضمت التجمع الوطني، حزب الوفد، حزب العمل المجمد، التحالف الوطني، حزب الكرامة تحت التأسيس آنذاك، حزب الوسط تحت التأسيس، كفاية..إلخ.

وقد كان هناك توجه بتكوين قائمة واحدة تخوض بها الجبهة الوطنية انتخابات مجلس الشعب في أكتوبر ونوفمبر2005، وكان من رأينا استحالة ذلك، من منطلق أن المعارضة مؤتلفة حول مفردات الاصلاح السياسي فقط، وليس حول مفردات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.

أميركا على الخط

في تلك الأثناء، وأنا بمقر المركز العام للإخوان بالروضة ـ القاهرة ـ فوجئت بأحد القريبين من الإخوان يطلب مقابلتي على عجل، كان هذا يأتيني بين حين وآخر ويتحدث معي في أمور الدعوة.

في تلك المرة، جاء وأسر إلى بأن هناك شخصية مصرية، هو يثق فيها ويقدرها ويحترمها، ترغب في مقابلتي، ولما سألته عن السبب الداعي للقاء، قال إن هذه الشخصية حاملة رسالة إليّ مفادها أن الإدارة الأميركية حريصة على إحداث إصلاح ديمقراطي في مصر، وأن نظام مبارك ليس لديه الاستعداد لذلك، وأن الإخوان يمكن أن يكون لهم دور أساسي، وتقترح الإدارة الأميركية سيناريو لذلك يتضمن 5 خطوات هي:

1) يقومون بعمل تظاهرات كبرى على مستوى مصر كلها في وقت واحد.

2) سوف يقوم نظام مبارك باعتقال الآلاف أو عشرات الآلاف منهم.

3) حينئذ تتدخل الإدارة الأميركية لإزاحة مبارك عن سدة الحكم.

4) تنصيب الدكتور عزيز صدقي رئيسا مؤقتا لمصر، لحين إجراء انتخابات رئاسية، باعتبار أن صدقي من الشخصيات التي تنادي بالإصلاح الديمقراطي، والتي لها قبول لدى كل ألوان الطيف السياسي، والدليل على ذلك رئاسته للجمعية الوطنية للتغيير.

5) الإفراج عن الإخوان المعتقلين.

وقد اشترطت الإدارة الأميركية في مقابل ذلك شروطا ثلاثة:

أ‌) ضمان أمن وأمان «إسرائيل».

ب‌) ضمان كافة حقوق المواطنة كاملة للإخوة المسيحيين وغيرهم.

ت‌) ضمان حقوق المرأة في المناصب العليا للدولة.

بعد أن استمعت مليا، قلت لصاحب الرسالة: أبلغ هذه الشخصية أنهم يريدون إصلاحا سياسيا مؤسسا على فكر وسواعد أبناء مصر، وأنهم لا يثقون في الإدارة الأميركية لا كثيرا ولا قليلا، وهي لا تبحث إلا عن مصالحها ومصالح العدو الصهيوني، وأن الشرطين الثاني والثالث ليسا سوى غطاء للشرط الأول..

وأردفت قائلا: أرجو أن يكون واضحا أن الأمر مرفوض. وقد حدثت محاولة أخرى عام 2009، عن طريق شخص آخر قريب لأحد العاملين بمقر المركز العام، هذا الشخص مصري، متجنس بالجنسية الأميركية، لم يكن هناك عرض سوى محاولة إيجاد نوع من التعاون مع أوباما بشأن القضية الفلسطينية وعملية السلام، في مقابل مساحة ما من الحريات للإخوان..

ولم يكن هناك رد مني سوى ما قلته عام 2005. والسؤال: هل كانت هناك محاولات من الإدارة الأميركية مع قيادات إخوانية أخرى؟ ربما، وهل استمرت هذه المحاولات بعد ثورة 25 يناير؟

«كفاية» كسرت حاجز الخوف

كانت الأوضاع في مصر بلغت مرحلة شديدة التردي، وكنا مقبلين على استحقاقات سياسية مهمة بعد عام، أي في عام 2005 حيث الانتخابات النيابية والرئاسية، ولاح في الأفق أن النية مبيتة لترشيح الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك لفترة خامسة..

هنا ثار غضب على مستوى النخبة، من ناشطين سياسيين وكتاب وأدباء ومفكرين، ممن كانوا ينادون بأنه «كفاية» على الوطن 24 عاماً من حكم مبارك، وقد مست كلمة «كفاية» الشعور الوطني في الصميم وعبرت عن مزاجه العام، لدرجة أنها انطلقت أصداؤها تتردد على ألسنة الملايين من المواطنين في بضعة أسابيع..

وعلى نهاية عام 2004 استطاعت قيادات «كفاية» أن تخرج إلى الشارع (وهو ما كان ممنوعا) وأن تكسر حاجز الخوف في صورة تظاهرات تهتف ضد الرئيس، وعلى الرغم من أن قوات الأمن لم تتصد للمشاركين في هذه التظاهرات الذين لم يتعدوا مئات قليلة، إلا أن الجماهير ظلت ـ كعادتها ـ ترقب الأمر من بعيد.

بدأ هناك قلق يظهر داخل الإخوان، خاصة لدى القواعد، أين نحن من هذه التظاهرات؟ ولماذا لا يكون لنا دور؟

في لقاءاتي بأفراد الصف في الشعب والمناطق، حاولت طرح رؤية سياسية ربما كانت غائبة عنهم، وهي أن اللاعبين في الساحة المصرية في هذه المرحلة ليسوا «كفاية» والنظام المصري فقط، وإنما يجب أن نضع في اعتبارنا أن هناك قوى أخرى خارجية، تريد أن يكون لها دورها، إذ كان معروفا وقتها أن الإدارة الأميركية كانت تتبنى ما أطلقت عليه «الفوضى الخلاقة» داخل المجتمعات العربية والإسلامية..

كسبب وذريعة للتدخل وفرض الهيمنة، وقد لاحظنا أن تظاهرات «كفاية» تركت دون المساس بها أو الاقتراب منها، مما يدل على أن ثمة رضا عنها من قبل نظام مبارك الذي يحرص بدوره على إرضاء أو عدم إغضاب الإدارة الأميركية التي أقرت واعترفت صراحة وعلنا بخطئها خلال ستين عاما بتأييدها للنظم الدكتاتورية..

وأنه آن الأوان لتقلع عن هذه السياسة، وبالتالي على هذه النظم أن تحافظ على الحريات وحقوق الإنسان، وهي في الحقيقة تستهدف الضغط عليها وابتزازها لتقديم تنازلات معينة لصالح المشروع الأميركي الصهيوني.

المؤلف في سطور

في 26 فبراير 2005، كان خطاب الرئيس الأسبق مبارك في مدرسة المساعي المشكورة بمحافظة المنوفية والذي أعلن فيه فجأة عن تعديل نص المادة 76 من الدستور..

والذي يجعل اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب «الحر» المباشر من بين أكثر من مرشح بدلاً من الاستفتاء، غير أن التعديل العجيب الذي استغرق ثلاث صفحات ونصفاً تضمن شروطاً تعجيزية فرغته تماماً من مضمونه، الأمر الذي جعل خبراء القانون الدستوري يصفونه بأنه «خطيئة دستورية».

قضى الدكتور محمد السيد حبيب، كاتب هذه المذكرات، 40 عاماً داخل صفوف جماعة الإخوان، منها 25 عاماً عضواً بمكتب إرشادها الذي التحق به عام 1985، وخرج منه مطلع 2010، بعد «إسقاطه» في انتخابات داخلية أثارت عاصفة من الجدل نهاية 2009.

بحكم موقعه كنائب أول لمرشد الجماعة، اطلع الدكتور حبيب على أدق تفاصيل وأسرار التنظيم، من علاقة الإخوان بنظام مبارك إلى اتصالاتهم مع الأميركيين، كما وقف على مصادر تمويل الجماعة، التي وصفها بأنها سر لا يجوز حتى للأعضاء الاطلاع عليه.

Ⅶ حركة «كفاية» تعاملت مع الإخوان باعتبارهم مقاولي أنفار

Ⅶ واشنطن رشحت عزيز صدقي رئيساً مؤقتاً لحين إجراء انتخابات

Ⅶ عاكف فاز بمنصب المرشد متقدماً على حبيب بصوت واحد

Ⅶ أوباما عرض الضغط على النظام لصالح الإخوان مقابل الملف الفلسطيني

Ⅶ تظاهرات «كفاية» تُركت دون مساس تجنباً لإغضاب واشنطن

Email