الإخوان المسلمون والصعود إلى الهاوية (2)

أسرار لقاء فريد استمر ثلاث ساعات مع وزير الداخلية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

خصص محمد حبيب هذا الفصل من مذكراته للحديث عن المستشار مأمون الهضيبي، المرشد السادس لجماعة الإخوان، منذ دخولهما مكتب إرشاد الجماعة معاً صيف 1985 حتى وفاته، حيث التقيا للمرة الأولى في يوليو عام 1985، بعد أن أصبحا عضوين بمكتب الإرشاد مع الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد، والدكتور سالم نجم، بالتزامن مع الأيام الأخيرة للمرشد الثالث للجماعة عمر التلمساني في قيادة الجماعة (وافته المنية في 22 مايو 1986).

ويشدد حبيب في هذا الصدد، على أن الهضيبي «اشترط على التلمساني أن يحيطه بكل ما يجري في الجماعة، حتى يبايعه»، مبرراً ذلك بأنه «لا يريد أن يأتي يوم يقف فيه أمام محكمة ليقول: لم أكن أعرف»، وهو ما وافق عليه المرشد آنذاك.

ويلقي كاتب المذكرات ضوءا نادرا على الخلافات التي احتدمت داخل الجماعة حول إنشاء حزب لها، حيث تحمس تيار لتطبيق هذه الفكرة ،على حين ذهب تيار آخر إلى تعذر تطبيقها واقعيا.

قبل أن يصبح المستشار مأمون الهضيبي مرشداً لجماعة الإخوان، والكلام لحبيب، كان صاحب رأي ومكانة ومنزلة، وأهله لذلك علمه وثقافته ومناقبه، ولثقافته القانونية الرفيعة، وحجته القوية الرصينة، صار متحدثاً رسمياً باسم الجماعة مدة ثمانية عشر عاماً.

وبعد وفاة التلمساني، وتولى محمد حامد أبو النصر موقع المرشد العام الرابع، صار الهضيبي رئيساً للجهاز السياسي للتنظيم الدولي للجماعة، وكنت نائباً له، كان الرجل صاحب رؤية وفكر، غير أن حظه في التخطيط والإدارة والتنظيم لم يكن وافراً، بخلاف مصطفى مشهور، الذي كان بارعاً فيها.

كان المستشار مأمون الهضيبي هجومياً بطبعه، حاداً في كثير من الأحيان في التعامل مع الآخرين، سواء كانوا من الإخوان أو من غيرهم، وقد تسبب ذلك بمشكلات كثيرة .

فاز من الإخوان المسلمون في انتخابات مجلس الشعب المصري عام 1987، 36 عضواً، وكان جملة ما حصل عليه التحالف (الإخوان ـ العمل ـ الأحرار) 60 مقعداً، وكان من بين الفائزين المهندس إبراهيم شكري، زعيم الحزب الذي أصبح بحكم موقعه زعيماً للمعارضة في المجلس.

الخلاف مع مأمون

يضرب حبيب مثلاً على شكل العلاقة بينه وبين مأمون الهضيبي، ويقول: «حدث تصرف، اعتبرته إهانة لي، إذ كنت في لقاء مع اللواء محمد عبد الحليم موسى وزير الداخلية في مكتبه بمبنى لاظوغلي، استمر لمدة ثلاث ساعات (من الساعة الثامنة إلى الساعة الحادية عشرة مساء).

ودار الحوار حول سياسة الجماعة في تلك المرحلة، وفي صبيحة اليوم التالي، كان من عادتنا أن يمر علي المستشار مأمون، ثم نذهب إلى مقر مكتب الإرشاد ونمكث فيه قليلاً لمناقشة بعض الأمور.

ومنه ننطلق إلى مجلس الشعب لحضور الجلسة الصباحية، كان حاضراً ساعتئذ محمد حامد أبو النصر، مصطفى مشهور، وأحمد حسانين، وكان من الضروري أن نحيط إخواننا علماً بما جرى مع وزير الداخلية في الليلة الفائتة، وحرصت على أن أذكر تفاصيل اللقاء.

 وإذا بالمستشار مأمون يشير إلى بأصابع يديه لأختصر، تألمت للغاية وتوقفت عن الاستمرار في الحديث، وقمت واقفاً، واستأذنت في الانصراف، استغرب الإخوان الثلاثة هذا الموقف المفاجئ، وسألني الحاج مصطفى عن السبب، فقلت: أنا لا يشير إلى أحد بأصابع يديه لأتوقف عن الكلام (..).

قال المستشار مأمون: أنا لم أكن أقصد الإهانة، كنت أريد فقط أن ألفت انتباهك إلى أن وراءنا جلسة بمجلس الشعب لا بد أن نلحق بها، قلت: ممكن أن يتم هذا بغير الأسلوب الذي اتبعته.

الموقف من الحزب

كان المستشار الهضيبي من أشد المتحمسين لإنشاء حزب باسم الجماعة، وكان رأيه أن الحزب يجب أن يمثل الوعاء الذي يضم كل هياكل الجماعة وأقسامها ومجالات عملها، هذا بخلاف الرأي الذي كان يتبناه مصطفى مشهور، الذي كان يرى استحالة تحويل الجماعة كلها إلى حزب.

وغني عن البيان، أن مجلس الشوري العام للجماعة، كان قد أقر فكرة إنشاء الحزب في عام 1989، وقد تعزز هذا القرار خلال اجتماع مجلس الشوري العام الذي انعقد في يناير عام 1995، وقد فوض المجلس مكتب الإرشاد، في تحديد الوقت والظرف الملائمين لإنشاء الحزب.

كلما ازدادت ضربات السلطة، اتجهت قيادات الجماعة إلى فرض مزيد من الحيطة والحذر، والتخفي وعدم الظهور إذا لزم الأمر، بدعوى المحافظة على التنظيم وعدم تعريض أفراده للاعتقال.

لذلك قلت إنه كان لا بد من كسر هذه الحلقة، لا بد من إعادة صياغة وإيجاد نظرة جديدة لعلاقة القط مع الفئران.

مشكلة حزب الوسط

للأسف أني كنت في سجن ملحق مزرعة طرة أقضي مع بعض إخواني حكماً من المحكمة العسكرية العليا بالسجن مدة 5 سنوات (1995 ـ 2000)، حينما جرت مشكلة حزب الوسط عام 1996. صحيح أنه كانت تصلنا أخبارها، لكنها كانت أخباراً متقطعة، لم تسمح لي، على الأقل، آنذاك، بتكوين صورة متكاملة عما حدث، وحينما خرجت من السجن، سمعت أقوالاً من هنا وأقوالاً من هناك.

مجلة «المجتمع» الكويتية، أجرت حواراً صحافياً بتاريخ 15 / 3 / 2003، مع المستشار مأمون الهضيبي، مرشد الجماعة، تضمن في جزء منه قضية حزب الوسط.

الهضيبي قال في هذا الحوار، متحدثاً عن أبو العلا ماضي وباقي مؤسسي حزب الوسط: هم نسبوا لأحد أعضاء مكتب الإرشاد، أنه طلب منهم أن يعدوا أوراق الحزب، وبالفعل أعدوا، وكان الرجل مسافراً، وعندما علمنا بأنهم يعدون للحزب، أرسل إليهم مصطفى مشهور أكثر من مرة للحضور، فلم يحضروا، وذهبوا وقدموا أوراق الحزب دون أن يعرضوه على أحد من مكتب الإرشاد، وهنا أسأل: هل يسمح نظام أي حزب لمجموعة من أعضائه غير القيادة العليا بإعداد مشروع حزب، ثم تقديمه للجهات المختصة دون رأي القيادة؟

إن أبو العلا جاء لمقابلة مصطفى مشهور بعد تقديم أوراق الحزب، وكنت موجوداً، والكلام ما زال للهضيبي، لكني لم أتكلم بكلمة، لأنني مقتنع بقاعدة، وهي أن المسؤول المختص إذا مارس اختصاصه، لا أتدخل إلا بطلب منه، والذي طلب أبو العلا يومها لمقابلته هو مصطفى، ولم يطلب مني التدخل خلال الحديث.

ووضع له مصطفى حلاً مريحاً، قال له: لن نطلب منكم سحب الأوراق، ولكن نحن نعرف أن لجنة شؤون الأحزاب لن توافق على الحزب، فهي لجنة (منع الأحزاب)، فإذا لم توافق، يكون الأمر قد انتهى عند هذا الحد.

لكن بعد أن رفضت «شؤون الأحزاب» الأوراق، فوجئنا بالإجراءات تتواصل للطعن أمام القضاء ضد اللجنة، بحسب الهضيبي.

ويضيف الهضيبي: هنا، عندما علم المؤسسون بحقيقة الأمور، وأن الأمر يتم دون علم وموافقة القيادة، انسحبوا، ولم يتبق إلا عدد بسيط، وقيل للمؤسس وللمحامين، إذا كنتم تريدون الطعن فلا تطعنوا باسم أناس انسحبوا من المشروع، وطلب منهم ألا يثبتوا حضورهم في المحكمة عن المؤسسين عموماً، لكنه ذهب إلى المحكمة وأثبت حضوره عن المؤسسين جميعاً.

فكان لا بد من التصحيح، تصحيح الوضع، وهو ألا نترك أسماء الإخوان تستغل في شيء مرفوض من الإخوان، فذهب محام آخر ومعه المؤسسون (السبعون)، وألغوا التوكيل المعطى من قبلهم لأبي العلا ماضي كوكيل للمؤسسين.

الهضيبي مرشداً

اجتمع أعضاء مكتب الإرشاد في دار المركز العام، بعد وفاة مصطفى مشهور وإجراءات العزاء، برئاسة أحمد حسانين، لاختيار المرشد الجديد، حرص المستشار مأمون الهضيبي نائب المرشد العام على عدم الحضور، حيث كان مرشحاً لخلافة مصطفى مشهور، حاول أحمد حسانين استطلاع رأي أعضاء المكتب في المستشار مأمون.

ولم يجد أحداً معترضاً عليه، وللحقيقة، فإن الإخوان جمعة أمين ومحمد بشر، أبديا فكرة أنه من المستحب أن يستطلع رأي، ولو بعض أعضاء مجلس الشورى، ترضية لهم، التفت إلي أحمد حسانين ووجه حديثه إلي قائلاً: وأنت يا أخ محمد، ماذا ترى؟

قلت: إن فكرة الشورى جيدة، لكن يجب ألا ننسى أنه جرى في الأيام القليلة الماضية لغط كثيف حول من يخلف مصطفى مشهور، وأنا أخشى أن يطول الأمر أكثر من هذا، فيزداد اللغط، وهذا له آثاره على الصف، ثم أردفت قائلاً: ماذا لو انتهزت الأجهزة المعنية الفرصة الآن، ودهمت اجتماعنا هذا وألقت القبض علينا جميعاً؟ إن شبح المحاكم العسكرية ما زال قائماً.

ثم قلت بحسم: يجب أن ننتهي من هذا الأمر فوراً، نظر أحمد حسانين في وجوه القوم فلم يجد اعتراضاً، فقال: إذن على بركة الله،ومن ثم أصبح المستشار مأمون الهضيبي المرشد العام السادس للإخوان المسلمين في يناير 2003.

الهضيبي والنائب

قبل وفاة مأمون بحوالي شهر تقريباً، فوجئت به بعد أن أذن أحد الإخوان لإقامة صلاة الظهر، أن نادى على قائلاً: دكتور حبيب، هل أنت مقيم؟ قلت: نعم، قال: تقدم إذن للصلاة بنا، والسبب في ذلك راجع إلى أن مأمون كان يصلي في هذه الأيام جالساً.

نظراً لآلام في ركبتيه، لكن لماذا اختارني بالذات لموقع الإمامة، وهناك آخرون من أعضاء مكتب الإرشاد؟ لقد فسر البعض ذلك بأن مأمون ينوي اختياري لموقع النائب، لكني لم أعر الأمر التفاتاً، واعتبرته جاء عفوياً.

وفي آخر رمضان شهده مأمون، حيث اعتدنا إقامة إفطار في أحد أيامه كل عام، ندعو فيه الإخوان من المحافظات المختلفة ورموزاً من القوى السياسية والحزبية وشخصيات عامة من المفكرين والكتاب والأدباء للتحاور حول الأوضاع العامة، داخلياً وخارجياً.

إذ بالمرشد يكلف أخانا الذي يقدم كلمات السادة الضيوف، بدعوتي إلى الصعود إلى المنصة، والاستعداد لإلقاء كلمة الختام، وقد كان، وفي هذه المرة، اعتبر البعض ذلك تأكيداً ودليلاً على توجه مأمون لاختياري نائباً.

وفي ظني، أنه لم يكن يفكر في ذلك، صحيح أنه كان مشغولاً بمسألة تعيين نائب منذ الشهر الأول لتوليه منصب المرشد(..)، لكن ذهنه كان منصرفاً لشخصيات أخرى، كالدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور محمد عمارة، وهذا ما ثبت في ما بعد.

مشهور والبحث عن الأمل

كنت جالساً مع مصطفى مشهور، بمفردنا، في دار المركز العام بالروضة، قبل رمضان بيوم، وأذكر أنه كان يوم ثلاثاء، خلال الأسبوع الأول من نوفمبر عام 2002 (..)، أحسست أنه يعاني ضيقاً، فسألته عما به، قال بعد تنهيدة طويلة: كنت أريد أن أرى شيئاً يبعث على الأمل، قلت: وما ذلك على الله بعزيز، ثم قام يستعد للانصراف قبل زحام المواصلات، حيث كانت الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر.

في عصر ذلك اليوم، تعرض لنزيف في المخ، كان ذلك في المسجد القريب من بيته بعد أدائه لصلاة العصر، نقل إلى المستشفى، وظل به حتى وافته المنية.

هكذا اختير الهضيبي نائباً للمرشد

 

بعد وفاة محمد حامد أبو النصر ـ المرشد العام الرابع للإخوان المسلمين، وتولي مصطفى مشهور منصب المرشد العام الخامس عام 1996، تم اختيار المستشار مأمون الهضيبي نائباً للمرشد، كما ظل متحدثاً رسمياً باسم الجماعة، واستمر يشغل هذا الموقع حتى وفاة مشهور في أواخر نوفمبر عام 2002، أي حوالي سبع سنوات.

التقيت في بداية أغسطس عام 2000، بعد خروجي من السجن، مصطفى مشهور، الذي سألني عن المجال الذي أود أن أعمل فيه داخل الجماعة، فقلت: التربية، قال: أريدك أن تشرف على قسم المهنيين، وقد كان.

وفي أواخر العام نفسه، جرت انتخابات مجلس الشعب المصري، وكان عدد مرشحي الإخوان في حدود 75 أخاً فقط، وذلك حرصاً على عدم استفزاز السلطة، وقد فاز في هذه الانتخابات 17 أخاً، وحين اجتمع مكتب الإرشاد، تقريباً في ديسمبر عام 2000، لاختيار من يشرف عليهم من أعضاء المكتب، اقترح الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، أن أكون المشرف، على اعتبار أن النواب يعتمدون في عملهم على المهنيين الذين أشرف عليهم.

كان هناك رأي آخر يقول، إن الإشراف يجب أن يكون من نصيب المشرف على القسم السياسي (الهضيبي)، وقد جرت مناقشة جيدة حول هذا الأمر، وتم التوصل إلى أن يشرف على النواب لجنة أطلقنا عليها اللجنة البرلمانية، برئاسة المشرف على قسم المهنيين وعضوية إخوة من القسم السياسي والأمانة والنواب.

كان لا بد أن نختار من النواب مسؤولاً عنهم داخل المجلس، حتى ينتظم أمرهم وتتوحد كلمتهم، والمعتاد في مثل هذه الحالة، أن يقوم عضو مكتب الإرشاد والمشرف على النواب بترشيح أحدهم أو بعضهم، وعرض المرشحين على مكتب الإرشاد، لاختيار واعتماد أكثرهم ملاءمة للقيام بهذا الدور.

 وقد قمت باختيار وتعيين الدكتور محمد مرسي مسؤولاً عن النواب، دون الرجوع إلى مكتب الإرشاد، وكان ذلك خطأ اعترفت به أمام المكتب، لمخالفته للإجراءات الإدارية المتبعة، وقبل المكتب اعتذاري عن هذا الخطأ، وأقر التعيين.

المؤلف في سطور

قضى الدكتور محمد السيد حبيب، كاتب هذه المذكرات، 40 عاماً داخل صفوف جماعة الإخوان، منها 25 عاماً عضواً بمكتب إرشادها الذي التحق به عام 1985، وخرج منه مطلع 2010، بعد «إسقاطه» في انتخابات داخلية أثارت عاصفة من الجدل نهاية 2009.

بحكم موقعه كنائب أول لمرشد الجماعة، اطلع الدكتور حبيب على أدق تفاصيل وأسرار التنظيم، من علاقة الإخوان بنظام مبارك إلى اتصالاتهم مع الأميركيين، كما وقف على مصادر تمويل الجماعة، التي وصفها بأنها سر لا يجوز حتى للأعضاء الاطلاع عليه.

 تنشر بالتعاون مع «الشروق»

Email