رقم 41: صورة لأبي الرئيس

بوش الأب والابن يختلفان بشأن غزو العراق

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الميزة النسبية التي يتفرد بها هذا الكتاب تتمثل في أنه يتحدث عن رئيس أميركي أسبق، وبقلم رئيس سابق آخر للولايات المتحدة، فضلاً عن أن مؤلف الكتاب هو نجل موضوع الكتاب، وكلاهما يحمل لقب بوش، العائلة التي تطمح حالياً إلى أن تضيف سياسياً جديداً إلى قائمة رؤساء أميركا اسمه جيب بوش في سباق الرئاسة الأميركية المتوقع في عام 2016.

من هنا يجمع هذا الكتاب بين طروحات تتعلق بالقضايا العامة في مجالات السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لواشنطن، خاصة..

وأن الرئيس جورج بوش الأب سبق وأن تولى عدة مناصب ومواقع محورية في إدارات بلاده، بدأت من عضويته في الكونغرس وتحولت إلى اختياره نائباً للرئيس في حقبة رونالد ريغان وفيما بينهما تولي بوش منصب مدير وكالة المخابرات المركزية ومنصب مندوب أميركا في الأمم المتحدة فضلاً عن كونه سفيراً، أول سفير للولايات المتحدة، لدى الصين في أعقاب إنشاء علاقات سياسية – دبلوماسية بين أميركا والبلد الآسيوي الكبير، وتحفل صفحات الكتاب بلمحات شخصية عن بوش الأب، وهو الرئيس رقم 41 في مسلسل أقرانه من الرؤساء.

 في غمار انتخابات التجديد النصفي التي جرت مع مطالع نوفمبر في الولايات المتحدة، بدأت أوساط الحزب الجمهوري المعارض في ترديد اسم كان من شأنه أن يرّدد صدي إيقاع قديم في أذهان الأميركيين، وربما في أسماع دوائر شتى من العالم. الاسم هو بوش، وبالتحديد هو جِبْ بوش، وهو العضو الثالث من عائلة بوش، الذي بات يتطلع إلى دخول البيت الأبيض في واشنطن رئيساً جديداً للولايات المتحدة بعد حملة انتخابات الرئاسة المرتقبة في عام 2016. والمعنى أن جب، وقد كان حاكماً لولاية فلوريدا مع أوائل العقد الزمني السابق، يتطلع أو يطمح إلى أن يحمل رقم 45 في مسلسل رؤساء أميركا.

والمعنى أيضاً أن تكون عائلة بوش محظوظة بكل مقياس، فهناك من أفرادها الأحياء من يحمل رقم الرئيس 43 ومن يحمل أيضاً رقم 41 في روزنامة البلد رقم واحد في عالمنا. ويبدو أن العائلة الرئاسية المذكورة ما برحت شغوفة بحكاية هذا التسلسل في الأرقام، لأن أحدث الأعمال الفكرية التي صدرت أخيرا حملت عنوانا يلخصه بدوره رقم معين هو: 41

هو الرقم – الدلالة الذي يرتبط باسم جورج بوش الأب، الذي احتفل أخيرا بعيد ميلاده التسعين، فيما ظل الرجل رغم هذه السن المتقدمة يستأثر باهتمام مواطنيه وخاصة وهو في ربيعه الثمانيني حين درج على ممارسة رياضة القفز بالمظلة من فوق متن الطائرة سابحاً في أجواز الفضاء العريض.

بعد الموقع الرئاسي

على أن هذا الكتاب الجديد له حكاية نسجت أول خيوطها منذ عام 2008: يومها كان الرئيس السابق جورج بوش الابن قد أخلد إلى حياة الدعة والاسترخاء، بعد تركه منصب الرئاسة الذي كان من حسن طالعه أن أكمل فيه ولايتين أو فترتين قوامهما 8 سنوات ،ولايزال قومه الأميركيون يذكرونها بكل أسف وإحساس بالشقاء، لماذا؟

لأنها أولاً سنوات شهدت سيطرة فصيل– عصبة المحافظين الجدد على مقاليد الأمور في أميركا ومن ثم في أرجاء كثيرة من العالم، وثانياً لأنها شهدت توّرط أميركا جيشاً وإدارة وأموالاً وسمعة وإمكانات في حربين، أولهما كانت في أفغانستان..

والثانية كانت في أرض العراق. وثالثاً إن حقبة بوش الابن الرئاسية كأنما أبت أن تنتهي إلا بعد أن أصابت الاقتصاد في أميركا والعالم بأزمة مالية – اقتصادية بالغة الحدة فادحة الآثار لدرجة أن كان هناك من الخبراء الاختصاصيين من عمد إلى مقارنتها بأزمة – كارثة الكساد الكبير التي أصابت اقتصاد الولايات المتحدة مع مقتبل عقد الثلاثينات من القرن العشرين.

والحاصل أن كان جورج بوش الابن يستضيف في مزرعته في تكساس الكاتبة الأميركية دوري ابنة المؤرخ الأميركي الشهير دﻳفيد ماكولو، ذكرت له أن والدها أعرب عن رغبته في أن يقرأ يوماً كتاباً عن سيرة رئيس أسبق لكن من تأليف نجله الرئيس اللاحق.

يوضح الناقد الأميركي بيتر بيكر أن جورج بوش – الابن سرعان ما التقط هذه الفكرة، فكان أن عقد العزم على تنفيذها ومن ثم فقد عكف طوال السنوات الماضية على تأليف الكتاب (الذي نعرض لمحتوياته فيما يلي من سطور). عنوان الكتاب هو: «41: صورة لأبي».

والمعنى أن الكتاب يرسم لوحة شخصية للرئيس الأب، على نحو ما يقول العنوان الذي نتصور أنه مستوحى من واحدة من أهم الروايات التي شهدها تاريخ الإبداع الأدبي الأميركي، وهي رواية «صورة سيدة» من تأليف واحد من رواد الفن الروائي في أميركا والعالم، وهو هنري جيمس (1843 1916).

كشف الأسرار

يكشف الكتاب عن بعض الأحداث التي ظلت بعيدة عن العلانية. وفي هذا المضمار يذكر المؤلف أن الذي دفع الرئيس ريتشارد نيكسون إلى الاستقالة عام 1974 بعد فضيحة ووترغيت الشهيرة كان يتمثل بالدرجة الأولى في رسالة تدفعه إلى هذه الاستقالة، وقد تلقاها رئيس الدولة من زعيم الأغلبية الجمهورية في الكونغرس، وكان اسمه جورج بوش الأب بطبيعة الحال.

ثم كان طبيعياً، وربما بديهياً، أن يركز مؤلفنا على جوانب يراها إيجابية في شخصية والده الرئيس الأسبق. ولهذا فهو يسهب في مواضع شتى من فصول الكتاب في الحديث عن سجايا التواضع التي تتجلى في سلوك الرئيس الوالد:

اسلوب التعامل على أساس المودة والبساطة مع صغار موظفي وعمّال الخدمة في البيت الرئاسي الأبيض، إصراره عندما كان مديراً يشار له بالبنان للوكالة المركزية إياها على أن يستخدم مصعد عامة الموظفين وليس المصعد الفخم المخصص لجناب رجل الاستخبارات رقم واحد في البلاد، تصميمه عندما كان يشغل المنصب الاستخباراتي المذكور على أن يجوب أنحاء العالم زائراً لكل محطات الخدمة السرية التابعة للوكالة كي يتحاور عن قرب وفي مودة مع العاملين بها.

في معرض الإحساس بالفكاهة أو النكتة يسوق مؤلفنا أيضاً مشهداً قاتماً ومربكاً تابعه العالم خلال زيارة قام بها فخامة الرئيس جورج بوش الأب لليابان، كان ذلك في العاصمة طوكيو عام 1992. وقد تجلى المشهد خلال حفل عشاء أقامه رئيس وزراء اليابان على شرف الزائر الأميركي الكبير، شعر جورج بوش بآلام في الأمعاء، اضطربت كل أعضاء جهازه الهضمي، لم يستطع الرجل أن يمنع نوبات القيء..

فإذا بالنتائج تسقط على بدلة رئيس الوزراء الياباني المضيف، وسط صمت الحاضرين، وبعد أن استرد وعيه – كما يقول مؤلفنا- بادر مضيفه الياباني، قائلاً على مسمع من الآخرين: لماذا لا تدفعني إلى تحت المائدة وبعدها يمكنك مواصلة الحفل بغير مشكلات؟

مقارنات رئاسية

لم يكن أمام محللي هذا الكتاب سوى أن يمعنوا في المقارنة بين الرئيس الأب والرئيس الابن: بين موضوع الكتاب ومؤلف الكتاب. صحيح أن هناك من أوجز رأيه في كتابنا على أساس أنه قصة محبة في التحليل الأخير، إلا أن هناك من توقّف ملياً عند شخصية بوش الأب التي وصفوها بأنها أقرب إلى نهج الدبلوماسية الهادئة المشبعة برصانة ورهافة آداب التربية في أرجاء نيوانغلاند، التي يشيرون إليها بوصفها موقع الطبقات الأرستقراطية الأميركية إن جاز التعبير.

من الناحية الأخرى، يصفون الرئيس الابن المؤلف بأنه شخصية أقرب إلى العنجهية والخشونة والصوت العالي، وهو ما اكتسبه صاحب هذه الشخصية من نشأته وتربيته في أرياف تكساس التي يشيرون إليها بوصفها موقع الكاوبوي رعاة البقر إن صحّ التعبير.

وفيما لا يكاد يعنينا في العالم الخارجي أن يتحلّى رئيس أميركي بشمائل راقية، أو أن يتصف رئيس آخر بسلوكيات أقرب إلى الخشونة..

إلا أن اهتمامنا – على نحو ما تشير ناقدة «النيويورك تايمز» متشيكو كاكوتاني – إنما يتأتى عندما يصار إلى ترجمة هذه السلوكيات المتناقضة بين الرئيسين الأب والابن إلى مسارات اتبعها كل منهما في مجال السياسية الخارجية والعلاقات الدولية: * بوش الأب كان يؤسس سياسته الخارجية على أساس الواقعية، متبعاً في ذلك نهج الاعتدال الذي اتسمت به مدرسة الجمهوريين القديمة ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

• بوش الابن كان يميل ــ كما أسلفنا- إلى نهج المحافظين الجدد (نيوكونز) الذي كان يقضي بتصدير الديمقراطية إلى حد قد يصل إلى فرضها بالقوة في بعض الأحيان، ومن منطلق الرغبة في إعادة صنع العالم تحت مقولات كان أشهرها طبعاً حكاية الفوضى المنظّمة التي ظل يؤكد عليها فصيل المحافظين الجدد المذكور أعلاه.

يزيدنا المؤلف ــ كما يقولون- من الشعر بيتاً حين يكرر اعترافاً سبق وأدلى به بوش الابن للكاتب السياسي بوب وودوارد ويقول فيه: بصراحة لم أكن ألجأ إلى والدي طلباً للمشورة أو اجتلاباً للنصيحة خاصة في قرار غزو العراق، لم أسأل «داد» عما ينبغي من جانبي أن أفعله، كلانا كان يدرك أن هذا قرار لا يمكن أن يتخذه سوى فرد واحد هو رئيس الجمهورية.

حوار حول الغزو

في السياق نفسه يواصل مؤلفنا الحديث في هذه النقطة قائلاً: مع ذلك فقد تطرقنا إلى الموضوع (غزو العراق) خلال احتفالنا بعيد الميلاد (الكريسماس) في عام 2002 حين أقمناه في (منتجع) كامب دﻳفيد:

يومها أحطت الوالد بأحدث ما توصلنا إليه بشأن استراتيجيتنا في هذا الخصوص، أجابني الوالد الرئيس قائلاً: يا بني: أنت تعرف قسوة الحرب. وعليك أن تجرّب كل شيء كي تتجنب خوضها، لكن إذا اختار الرجل (صدام) عدم الامتثال، فلن يكون أمامك خيار آخر.

هنا أيضاً نلمح في سطور الكتاب شبح عُسر في التفاهم – كما قد نسميه بين الوالد والنجل. وتكاد السطور تنطق بأن بوش الأب لم يكن يوّد لابنه الرئيس أن يخوض الحرب في العراق، ويدلل المراقبون على هذا من خلال ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» أيامها من تحذيرات كتبها أقرب المستشارين والأصدقاء إلى الرئيس بوش الأب..

وهو برنت سكوكرفت، محذراً من أي هجوم على العراق من شأنه أن يلحق أبلغ الضرر بالحملة العالمية لمكافحة الإرهاب (بعد حادثة 11 سبتمبر) إن لم يفْض إلى تدمير هذه الحملة من الأساس.

على أن من ألمع مواضع هذا الكتاب، في تصورنا، هو تلك السطور التي وُفق فيها جورج بوش الابن في تسويغ أو تكييف أو تبرير هزيمة بوش الأب في نيْل ولاية التجديد الثانية ليصبح الأب من الرؤساء القلائل في تاريخ أميركا ممن يطلق على كل منهم الرئيس وحيد الولاية (منهم جيمي كارتر على سبيل المثال).

في هذا الموضوع يقرن بوش المؤلف بين بوش الأب وبين الزعيم البريطاني الأشهر ونستون تشرشل.

وهنا يقول المؤلف: «على الرغم مما حققه والدي من انتصارات وانجازات، إلا أن كان مصيره الإبعاد من المنصب الأول في بلاده وهو ما حدث بالضبط لونستون تشرشل في عام 1945 حين لم يكن قد انقضى وقتها سوى بضعة أشهر على تحقيق تشرشل الانتصار لبلاده في الحرب العالمية الثانية».

عدد الصفحات: 294 صفحة

تأليف: جورج بوش الابن

عرض ومناقشة: محمد الخولي

الناشر: مؤسسة كراون، نيويورك، 2014

المؤلف في سطور

جورج دبليو بوش هو الرئيس الثالث والأربعون للولايات المتحدة الأميركية. وقد دامت ولايته الرئاسية على مدار فترتين من 2001 إلى 2008 وكان قد سبق له تولي منصب حاكم لولاية تكساس. وبعد مفارقته البيت الرئاسي الأبيض لصالح باراك أوباما، قام الرئيس السابق بإنشاء مركز رئاسي يحمل اسمه إلى جانب قرينته لورا في جامعة ميثودست الجنوبية..

ورغم ابتعاده نسبياً عن الأضواء كرئيس سابق، إلا أن هذه الأضواء ما لبثت أن سلطت عليه في الآونة الأخيرة، وخاصة عندما نشر كتابه الذي صدر تحت عنوان: نقاط القرار، أو محاور الحسم، ليمثل هذا الكتاب الحافل بالأسرار الرئاسية ما وصفه المحللون بأنه أكثر الكتب الرئاسية رواجاً على الإطلاق.

هكذا تحدثت «نيويورك تايمز»

أبدت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية اهتماماً كبيراً بكتاب «رقم 41: صورة لأبي الرئيس» من تأليف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، والذي يتناول فيه بالتحليل سيرة أبيه وتفاصيل حياته السياسية..

حيث أشارت إلى أن الكتاب يتمتع بسمات لوحات بوش الابن الأخيرة، فهو يحظى باهتمام جماهيري كبير، ويقدم ملاحظات لماحة، ويحدث تأثيراً كبيراً في نفوس قرائه. وأشارت إلى أن الأجزاء الأكثر استقطاباً لاهتمام القراء لا تتناول ما هو سياسي في حياة بوش الأب، وإنما تعالج ما هو شخصي في المقام الأول.

قسوة ظروف الأب الرئيس ومرارة الهزيمة أمام بيل كلينتون

 يعترف الرئيس جورج بوش الابن بأن الظروف ربما ظلمت والده الرئيس الأب الذي ذاق مرارة الهزيمة حين رفض الناخب الأميركي منحه أصوات التجديد لولاية رئاسية ثانية، وكان ذلك لصالح مرشح شاب وقتها اسمه بيل كلينتون، الذي لم يكن يحوز أي شهرة أو لمعان، إذ كان حاكماً لولاية أركنسو الريفية النائية وشبه المجهولة، هذا بينما كان بوش الأب..

كما يحرص مؤلف الكتاب على تأكيده – يستند إلى تاريخ حافل بكل مقياس، سواء من حيث الخدمة في المنصب العام (أول سفير لدى الصين، ممثل أميركا لدى الأمم المتحدة، مدير وكالة المخابرات المركزية العتيدة، نائب للرئيس رونالد ريغان على مدار 8 سنوات) أو سواء من حيث الإنجاز الكبير (خاض ضمن الائتلاف العربي حرب تحرير الكويت ضد الغزو العراقي الصدّامي للبلد الخليجي الشقيق) ..

ناهيك عن أن حقبة بوش الأب شهدت التحول التاريخي، الذي كانت أبرز علاماته سقوط سور برلين الشهير في صيف عام 1989 آية على انتصار أميركا الغرب في الحرب الباردة من ناحية، وإشارة إلى تصّدع ومن ثم زوال الخصم السوفييتي الشيوعي من ناحية أخرى.

يوضح كتابنا كيف أن بوش الأب كان يركز كثيراً على إنشاء علاقات من المودة الشخصية مع رؤساء الدول بدلاً من الاقتصار على الصلات الرسمية أو الدبلوماسية وما في حكمها، لهذا عمد الرئيس الأب مثلاً إلى دعوة الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران وعائلته لقضاء عطلة مريحة في كنبنكبورت بولاية مين. وهنا يعلق مؤلفنا الرئيس الابن قائلاً ان هذه الدعوة النزهة آتت أُكلها متمثلة في ضمان موافقة فرنسا ميتران على استخدام أميركا بوش كل أسباب القوة من أجل حرب تحرير الكويت في عام 1991.

الاسلوب نفسه المبني على إقامة، وربما افتعال، صداقة شخصية بين الزعماء هو الذي دفع بوش الأب وكان نائباً لرئيس الدولة، إلى إقناع رونالد ريغان بالاقتراب الودود من زعيم سوفييتي كان نجمه صاعداً مع أواخر الثمانينات وكان اسمه غورباتشوف، نجحت المسألة عندما تولى غورباتشوف طبعاً إنهاء وجود الكيان السوفييتي إلى الأبد، وهو ما دفع مؤلف الكتاب إلى وصف والده قائلاً: لقد كان أستاذاً في الدبلوماسية الشخصية.

Email