القوى الطامحة ونظرتها إلى العالم

5 بلدان آسيوية تطمح إلى دور دولي فاعل

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

سبعة فصول يتألف منها هذا الكتاب، الذي يأتي بمثابه حصيلة متكاملة لحوارات أكاديمية دارت على مدار فترة طويلة شهدت عقد العديد من الحلقات الدراسية (السمنار) في إحدى الجامعات الأميركية، وشاركت فيها نخبة من الاختصاصيين بالشؤون والقضايا المتصلة بقارة آسيا التي يشار إليها في بعض الأحيان وفي بعض الأوساط السياسية والعلمية بأنها قارة القرن الجديد، بمعنى أنها تضم العديد من القوى والكيانات التي تضمها صفحات هذا الكتاب على أنها دول ترنو في معظمها إلى الاضطلاع بأدوار أكثر فعالية وأشد أهمية في مضمار السياسة العالمية الراهنة.

على أن الكتاب لا يغفل عوامل ومكونات السياسة الداخلية والأوضاع المحلية في كل من هذه الدول (وتأتي الصين على رأسها) بالنسبة لتشكيل مسارات السياسة الخارجية وصياغة أبعاد الدور المرتقب، الذي يحقق طموحات تلك الدول إلى النهوض بذلك الدور الحيوي الفعال.

وهنا يوضح الكتاب أن هذه الدول الخمس (روسيا.. إيران.. الصين.. اليابان.. الهند) لا تهدف إلى تغيير النظام الدولي الراهن بقدر ما تستهدف ممارسة دورها في مجالات التطور الاقتصادي والتبادل التجاري والعلاقات الدولية بما يحقق طموحاتها، وبما يجعلها تشارك بفعالية حقيقية بوصفها قوي جديدة في صياغة النظام الدولي على نحو ما يقول في تعليقه على الكتاب دفيد ميلباند وزير خارجية بريطانيا السابق.

الدول كالأفراد تشكل في جوهرها كائنات حية، بمعنى أنها تنطبق عليها قوانين النشوء والتطور ثم قواعد النضوج والارتقاء، بقدر ما تنطبق عليها أيضاً سُنن الشحوب والانحدار بل والاندثار في معظم الأحيان.

وربما جاءت الاشتقاقات اللغوية لتوصيف الدول كي تصدق على هذه الصفات التي تجعل من الدولة كائناً يولد وينعم بالحياة لكن بغير وجود سرمدي أو بغير إدامة أو خلود.

الدولة في المعجم العربي تدول بمعنى تغرب شمسها وتذبل شموعها وينتهي كيانها. والدولة كذلك في المعجم الغربي هي حالة ما يفيد لفظ (State) في اللغات الإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية على السواء.

يلفت النظر في هذا الصدد أن تنَّبه إلى هذه الخاصية مفكرنا المسلم الكبير عبد الرحمن بن خلدون (1332- 1406) في رصده اللّماح لبدايات ومآلات الدول عبر التاريخ.

وفي ضوء هذه البديهيات، يمكن أن نتعامل من منظور الاطلاع والعرض والتحليل مع الكتاب الذي نتناوله فيما يلي من سطور:

هو كتاب يرى في الدول كيانات أو كائنات يمكن أن تستبد بها نوازع الطموح ورغبات التطلع إلى أدوار أعمق من حيث الفعالية، وأوسع من حيث النطاق، وأغزر من حيث المكاسب العائدة على الدولة ودورها وشعبها.

العنوان الرئيسي لهذا الكتاب هو: القوى الطامحة (بمعنى الدول التي تصدر عن نوازع الطموح).

أما العنوان الفرعي فهو يتولى دور الشرح والتفصيل موضّحاً أن الكتاب سوف يتناول خطاب العلاقة بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية في الدول الخمس التالية على سبيل الحصر: الصين.. الهند.. إيران.. اليابان.. وروسيا.

الحالة الروسية

في حالة روسيا كان طبيعياً أن يركز هذا الكتاب على أوضاع روسيا ما بعد الدولة السوفييتية. وهنا يرصد الكتاب وضعية التناقض الذي تعيشه روسيا ويتمثل من جهة أولى في نوازع الطموح والصعود (مع رئاسة بوتين)، وأيضاً في حالة الجزر والانحسار من جهة أخري (مع رئاسة يلتسين التي حكمت روسيا خلال تسعينات القرن الماضي).

ولمعالجة هذا التناقض يرى الكتاب أن سياسة روسيا ما برحت مرتبطة بانتمائها الأساسي إلى الغرب، وأن كثيراً من رموزها السياسية مع سنوات القرن الجديد يمكن اعتبارهم من فئة الليبراليين من ذوي النزعة الغربية، فيما يرى الكتاب أن السياسة الخارجية في إيران تتم ممارستها وتفعليها تحت تأثير اتجاهات تجمع ما بين المثاليين الإسلاميين، اتجاه دعاة التوازن الإقليمي، اتجاه الدعوة إلى دور يصنف بلادهم ضمن منظومة القوي العالمية الفاعلة.

في حالة الهند يرى الكتاب، في ضوء ما توصلت إليه الحوارات الأكاديمية التي أشرنا إليها، أن الهند أصبحت تمثل قوة تجّسد الطموح إلى دور عالمي بالغ التأثير وشديد الفعالية. ولكن هذا الطموح لايزال يشوبه، كما يسجل الكتاب أيضاً، قدر ملحوظ من التردد بمعنى عدم اتخاذ خطوات حاسمة يستلزمها أمر الاضطلاع بهذا الدور على مسرح السياسة الدولية، وخاصة في ضوء التعامل مع الخطوات التي ما برحت تغامر باتخاذها القوة- الدولية العظمى التي تحمل اسم الولايات المتحدة، وهو تعامل لابد وأن يجمع، كما توضح فصول هذا الكتاب بين السلب والإيجاب في آن معاً.

ثم هناك العنصر الذي تمثله جماهير الداخل على صعيد هذه القوي الدول الطامحة في عصرنا:

في حالة الصين مثلاً يضيف الكتاب- لايزال هناك نقص في توضيح مدركات هذه الجماهير الصينية في دواخل البلد الآسيوي الكبير، بمعنى تصورات سكان الصين في الحواضر والأرياف وما في حكمها للدور الذي يمكن أن يلعبه بلدهم الكبير على الساحة العالمية، وبحيث لا يقتصر هذا الدور على مجرد طرح ما تسفر عنه ماكينات التصنيع والإنتاج الهادرة دوماً في ربوع الصين، بل يتعدى الدور إلى التعاطي مع ما يصادفه العالم في المرحلة الراهنة من مشكلات وظواهر وتعقيدات تتطلب مشاركة فاعلة من جانب كل الأطراف ناهيك عن تلك الأطراف التي تعرض لها فصول هذا الكتاب السبعة بكل ما يساورها من تطلعات أو طموحات.

في اليابان

وإذا كان العلماء المساهمون في مادة هذا الكتاب قد رصدوا تناقضات السياسة في الصين بقدر ما توقفوا ملياً عند سلوكيات التردد في السياسة الخارجية للهند، وعند توزع تيارات السياسة الخارجية في إيران، فقد أطلوا من منظور التأمل على السياسة الخارجية لبلد آسيوي كبير آخر هو اليابان.

هنا يرصد الفصل الخامس من الكتاب ما يصفه بأنه الاستراتيجية اليابانية الكبرى في القرن الواحد والعشرين، ولكنه يطلق على هذه الاستراتيجية الوصف الطريف التالي: إنها تجمع بين العناق والاحتجاز، بمعنى أنها تجسد أسلوب الإقدام والإحجام.. وكأنها أصحبت أقرب إلى سلوكيات التردد الهندي أو هي سلوكيات التريث من أجل التثبّت قبل الاقتحام وهو أسلوب آسيوي بالدرجة الأولى.. يتميز بالرصانة والهدوء في مقابل أسلوب الجسارة والاندفاع إلى حد المغامرة الذي ظل عنواناً للسلوك الأميركي بشكل عام.

ولعل السبب في مثل هذه الظواهر من التجزؤ أو الانقسام أو ثنائيات السلوك على نحو ما تتسم به أنماط ومنطلقات وأساليب السياسة الخارجية لتلك الكيانات السياسية التي تعرض لها صفحات هذا الكتاب إنما يرجع إلى أن عناصر رسم وتنفيذ هذه السياسات مازالت تتوزع بدورها من حيث المدارس الفكرية ما بين دعاة وأصحاب التوجهات الوطنية، أو المسارات القومية أو الإقليمية أو العولمية، وهو ما انعكس بالضرورة في رسم خطوط العمل الخارجي ومن ثم في تشكيل القوة الدافعة في هذا البلد أو ذاك من الأقطار الخمسة التي يعرض لها هذا الكتاب، من حيث مسيرة الطموح إلى أداء دور أكثر من فاعل في تحريك الأحداث على مستوى هذا العالم الذي نعيش فيه.

بين الداخل والعولمة

وليس صدفة إذن أن يكون عنوان الفصل الأول الاستهلالي من كتابنا هو:

الأصوات الداخلية (المحلية) في القوي الطامحة. وأن يكون عنوان الفصل السابع الختامي من الكتاب هو: الواقعيون والقوميون (الوطنيون) والعالميون (العولميون) وطبيعة القوى الصاعدة المعاصرة.

في هذا الإطار يتفق الكاتب السياسي الأميركي جون اكنبري (في تحليله المنشور في دورية فورين أفيرز) مع ما خلص إليه الكتاب من غَلَبة أو هيمنة الأفكار والطروحات القومية الوطنية الواقعية بين صفوف النخبة المثقفة في معظم الأقطار التي تناولتها فصول الكتاب، وهي نفس النخب التي أفضت بحكم وجودها وطروحاتها وأفكارها ونفوذها يضيف اكنبري إلى التشديد على عناصر السيادة والاعتماد على الذات وبناء قوة عسكرية وطنية في الداخل (بغير اعتماد أساسي على الخارج) فضلاً عن العمل الدؤوب من أجل بناء وتطوير اقتصاد وطني قادر على الاستمرار والتطور.

مع هذا كله يشير المشاركون في فصول كتابنا إلى أن القوى الطامحة التي عرضوا لها مازالت رغم فروقات نوعية شتى - معنية في الأساس بأهمية الوصول إلى توافق واسع على الصعيد الوطني بشأن أهمية ومزايا الانفتاح على العالم من الناحية الاقتصادية بل والتماس إمكانيات التكامل والاندماج مع الأوضاع السائدة على مستوى عالمنا، ومن الناحية الاقتصادية على وجه الخصوص.

والمعنى أن معظم هذه الكيانات - الدول الطامحة لا ترغب من واقع مقولات هذا الكتاب - في إضفاء تغييرات أو تحّولات على النظام العالمي القائم حالياً، بقدر ما أنها ترغب في ممارسة التبادل التجاري والتفاعل الاقتصادي في ظل وجود النظام المذكور ولكن مع العمل على إقرار واستمرار سيادتها الوطنية وحماية قدراتها القومية ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

وفيما نعى بعض النقاد على هذا الكتاب تركيزه على دول تقع بالدرجة الأولى في القارة الآسيوية (ربما باستثناء الحالة الروسية التي تنتمي إلى أوروبا، وإن كان لها طابعها وموقعها الآسيوي أيضاً) وفيما يظل هذا التركيز أمراً مفهوماً باعتبار أن الكتاب يظل في التحليل الأخير محصلة دراسات وحوارات أكاديمية دارت في مركز أكاديمي اختصاصي للدراسات الآسيوية، إلا أن القارئ كان بحاجة، في تصورنا، إلى مثل هذه الإشارات إلى أحوال الدول التي مازالت تدفعها طموحات الدور.

وخاصة مع ما لوحظ من انحسار في أدوار كل من الاتحاد الأوروبي وربما الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، فضلاً عن حقيقة الميزة النسبية التي تتمتع بها كل من الدول التي تم اتخاذها محاور لهذا الكتاب: ما بين دول نفطية مثل إيران، إلى دول غزيرة الإنتاج الصناعي بالذات مثل الصين، إلى دولة مثل الهند تفوقت في مجالات التعامل مع الحاسوب الإلكتروني وخاصة في منتوجات البرمجيات المحوسبة (سوفت وير وفي مواقع شتى في شبه القارة الهندية وأشهرها بنغالورو)، إلى دولة مثل اليابان كم أثبتت مجاراتها من حيث دقة التصنيع لأميركا وإلى حد التفوق في بعض الأحيان، ناهيك عن الكيان الروسي الذي لايزال يشكل قطباً منافساً إن لم يكن متحدياً للكيان الأوروبي الأميركي سواء من حيث قدرات التصنيع أو من حيث موارد واحتياطات النفط والغاز الطبيعي أو القدرات النووية أو من حيث النفوذ السياسي الممتد عبر أصقاع وسط آسيا موروثاً كما هو معروف- من الحقبة السوفييتية.

ثم يضاف إلى هذا كله أجندة الطموحات الروسية إلى الاضطلاع بدور فاعل مستجد.. وأحياناً دور مستأنف أو مستعاد على صعيد خارطة السياسة والنفوذ في عالم اليوم، وهو ما ظل كتابنا يؤكد عليها عبر الفصول والصفحات.

 

ثلاث ركائز تفرض حضورها على سياسات الدول

لعل من ميزات هذا الكتاب أنه يضّم محصلة حوارات منهجية متعمقة شهدت ما أصبح يوصف بأنه عملية عصف الأفكار فيما بين كوكبة من الأكاديميين الذين جمعت بينهم مناقشات وجلسات متعمقة في مركز سيغور للدراسات الآسيوية بجامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة. وقد شارك في هذه الحوارات كل من الأستاذين هنري ناو وديبا أولابالى وهما أيضاً من شاركا في تحرير وإعداد هذا الكتاب للصدور.

مع المقولات الاستهلالية من كتابنا يرى الدارسون أعضاء الحلقات سالفة الذكر أن منظور السياسة الخارجية في الدولة الحديثة إنما يقوم على ركائز ثلاث هي:

.. (1) الركيزة الوطنية (القطرية)

.. (2) الركيزة الإقليمية (المنطقة الأوسع من خارطة العالم)

.. (3) الركيزة العالمية (الصعيد الكوكبي)

بعد ذلك يتوقف الدارسون عند أهم دراسة حالة كما قد نصفها وكما يعرضها هذا الكتاب: إنها حالة الصين.

يصفها كتابنا بأنها أهم قوة صاعدة في عالم اليوم ثم يردفون القول مباشرة:

- إنها أيضاً القوة التي ترتبط بعنصر التناقض ما بين مشكلاتها العديدة في الداخل إلى طموحاتها من أجل الاضطلاع بدور سوبر محوري في الخارج.

في هذا الإطار يتوقف الدارسون أيضاً عند ما يصفه الكتاب بأنه مدارس الفكر السياسي السبع التي تتناول قضية السياسة الخارجية. ويلخصونها كما يلي: المدرسة المحلية، الواقعية، مدرسة القوى الكبرى، مدرسة آسيا- أولاً، مدرسة جنوب العالم.. المدرسة العولمية (الغلوبالية) ثم مدرسة التعددية.

وهنا تخلص سطور كتابنا إلى أن هذه المدارس في الفكر والسلوك السياسي أو هذه الأساليب المتبعة في التعامل مع دور الصين بوصفها بلداً صاعداً وطامحاً كما أسلفنا يمكن أن تتداخل بحيث تجمع بين المدرسة الواقعية والمدرسة المحلية أو تجمع بين مدرسة تعامل الصين مع دول عظمى (مثل الولايات المتحدة) وبين اتباع الصين النهج العولمي (الغلوبالي) الشامل مستخدمةً في ذلك قدراتها المعنوية الناعمة التي يمكن أن تتجسد في الإبداع الفني أو النبوغ في مجال الألعاب الرياضية أو الإنجاز الفكري أو التطور والابتكار في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وما إلى ذلك بسبيل.

 

هكذا تكلمت »واشنطن بوست«

أبدت صحيفة »واشنطن بوست« اهتماماً كبيراً بكتاب »القوى الطامحة ونظرتها إلى العالم«، وأشارت إلى أن الكتاب يقدم جهداً حافلاً بالتجديد في رصد وتحليل الموضوعات المشتركة في التفكير في السياسة الخارجية وتوجهات القوى العالمية الطامحة الأكثر أهمية. وقالت إن القارئ الذي يبدي اهتماماً بهذا الكتاب سيخرج بفهم أكثر دقة لإيقاع واتجاه التغير العالمي وعواقب ذلك التغير بالنسبة للقوة الأميركية في الخارج.

 

المؤلف في سطور

شارك في تأليف وتحرير وإعداد هذا الكتاب للنشر كل من البروفيسور هنري د. ناو أستاذ العلوم السياسية في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن والبروفيسور ديبا م. أولابالى المدير المساعد لمركز سيغور للدراسات الآسيوية، وهي أيضاً أستاذ مساعد للشؤون الدولية بالجامعة المذكورة.

وفيما اهتمت الأوساط الفكرية في أميركا وآسيا بالكتاب الذي سبق صدوره عن جامعة كامبردج من تأليف ديبا ألاوبالى بعنوان سياسات التطرف في جنوب آسيا، فقد اتسع الاهتمام في الأوساط العلمية والسياسية بعد إصدار جامعة اكسفورد لكتاب البروفيسور هنري ناو بعنوان» خرافة التراجع الأميركي«

عدد الصفحات: 256 صفحة

تأليف: هنري ناو وديبا أولابالى

عرض ومناقشة: محمد الخولي

الناشر: جامعة اكسفورد، لندن، 2014

Email