دروس آسيوية لمواجهة الأزمة الاقتصادية

الغرب مطالب بالتعلم من النمور الآسيوية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يطلّ هذا الكتاب على الأزمة أو الأزمات المالية والاقتصادية الراهنة في عالمنا من منظور الترابط أو التكافل الذي ما برح يشكل ظاهرة بارزة وفعّالة الأثر في مجريات الأمور الراهنة في العالم.

من هنا فالبحوث العديدة التي تضمّها فصول وصفحات الكتاب لا تتورع عن لفت نظر الدول المتقدمة في غربي أوروبا وفي الولايات المتحدة إلى أنها لن تفلح في مواجهة مآلات أزماتها المالية الاقتصادية الراهنة إلا إذا بادرت هذه الأقطار والنظم الغربية إلى وعي.

واستيعاب الدروس المستفادة التي سبقتها دول جنوب شرقي آسيا في استيعابها، بعد أن استقتها من واقع ومعاناة الأزمة الاقتصادية التي حاقت بها في السنوات الأخيرة من عقد التسعينات من القرن الماضي، وأدت، كما أصبح معروفاً ، من تحويلها من خانة النمور الآسيوية .

كما كانت توصف قبل ذلك إلى فئة دول الأزمة التي نجحت تلك الأطراف الآسيوية في الخروج منها، خاصة بعد أن وعت عبرة الأزمة التي صادفتها اليابان في تلك الفترة وأدت إلى تراجع اقتصاد طوكيو الذي كان يشكل نموذجاً مرموقاً خلال عقود عديدة من القرن الماضي.

والمهم أن هذا الكتاب يركز على مقولة مفادها أن على الدول ألا تتردد في التعلّم من تجارب الأخرىن بعيداً عن روح الانغلاق أو سلوكيات الغرور.

في علم الاستراتيجية يبدأ الفرقاء المعنيون بما يوصف أولاً بأنه الرؤية، وهم يسارعون إلى تعريف هذه الرؤية بأنها النظرات أو التصورات أو الأفكار المتبلورة من خارج الصندوق، وبمعنى الابتعاد عن الطروحات التقليدية والتصورات المتكررة تطلعاً إلى خطاب التجديد والابتكار.

وإذ يبدأ الفكر الاستراتيجي بالرؤية، فهو يواصل طريقه قُدُماً كي يمر بمراحل التخطيط الشامل الذي لابد وأن يُسلم بدوره إلى برامج مطروحة للتنفيذ ومنبثقة عن هذا التصّور الاستراتيجي، وصولاً إلى العنصر الذي يراه أهل العلم والتطبيق أمراً جوهرياً بكل المعاني. وهذا الجوهر أو المحور يمكن أن تعبر عنه عبارة تتألف من كلمتين فحسب، وهما "الدروس المستفادة".

هذه العبارة البسيطة، أو التي تبدو كذلك، هي المنطلق الأساسي الذي يصدر عنه الكتاب الذي نتعايش مع فصوله وصفحاته في السطور التالية.

عنوان الكتاب يتسم بقدر نسبي من الطول، حيث يمكن ترجمته على النسق التالي: الرد على (أو الاستجابة إلى) الأزمة المالية: الدروس المستفادة من آسيا (في الماضي) وفي أميركا وأوروبا (في الوقت الحالي).

والمعنى بداهة أن المفكر الاقتصادي المشرف على هذا الكتاب، وهو الأكاديمي الأميركي آدم بوزِن، يرى أن ثمة عبرة جمّة الفائدة يمكن، بل ينبغي، إستقاؤها من واقع أزمة مالية- اقتصادية سبق وأن سمع بها العالم في الماضي، وينبغي الإفادة منها من أجل معالجة أزمة مالية- اقتصادية لايزال عالمنا يعاني من عقابيلها حتى كتابة هذه السطور.

وبديهي أيضاً أن الأزمة الأولى واجهتها آسيا في حين أن الأزمة الثانية مازالت تفرض آثارها السلبية على الغرب ما بين أميركا إلى أوروبا في الوقت الحالي.

الأزمة الآسيوية

هنا يعرض كتابنا لما سبق وأن واجهته بعض الأقطار في جنوب شرق آسيا من أزمات عاتية أطاحت، أو كادت تطيح، بمستوى معيشتها، فيما ظلت تهدد اقتصاداتها ونظمها المالية بأخطار فادحة وخاصة في السنوات الختامية من القرن العشرين.

قبل ذلك التاريخ، وربما منذ عقد الثمانينات من القرن المذكور، ظلت شهرة تلك الأقطار في جنوب شرقي آسيا تتسع باطراد تحت وَهَج اللقب الذي كان العالم يتداوله من منطلق الإعجاب في تلك الأيام، وهو: "اقتصادات النمور في جنوب شرقي آسيا".

يومها، كانت مجموعة النمور الآسيوية تضم أقطاراً ما بين ماليزيا إلى تايوان، وما بين تايلند إلى إندونيسيا، دع عنك كوريا الجنوبية والصين، وقتها أيضاً كانت ماكينة الاقتصاد الياباني في حال من الدوران خاصة حين كانت أميركا لا تتورع عن استيراد السيارات والمعدات اليابانية كي يستخدمها المستهلك الأميركي.

ويومها كذلك سأل المذيع التليفزيوني الشهير تيد كوبل مجموعة من الشبان اليابانيين الزائرين قائلاً: نحن نستورد منكم أحدث منتوجات التصنيع والتكنولوجيا، ترى ماذا يمكن أن تستورده اليابان من أميركا؟

هنالك سكت اليابانيون برهة ثم نطق أحدهم على استحياء مفتعل قائلاً: ربما نستورد منكم الأفلام السينمائية وبعض أصناف الشوينغم (علكة اللِبان) !

النمور والتكيف الهيكلي

المهم أن أزمة النمور الآسيوية قد اندلعت وهددت بأخطار فادحة لاقتصادات دول المنطقة في الفترة 1997- 1998 على وجه الخصوص. وقبل تلك الفترة، كان صندوق النقد الدولي قد طرح وأذاع وصفة كانوا يتصورونها ناجعة لمعالجة النظم الاقتصادية وخاصة على مستوى ما يمكن وصفه بأنه العالم الثالث، وحملت تلك الوصفة العنوان التالي: "التكيف الهيكلي".

ولقد انطوت هذه الدعوة أو هذه الوصفة على مزيج من تشجيع إجراءات الخصخصة تحت شعار إزالة الحواجز التي تحول دون انطلاقة الاقتصاد، وهو ما أفضى بالتالي إلى اشتداد نفوذ، بل إلى استشراء سطوة كيانات اقتصادية عملاقة حملت، ولاتزال تحمل، عناوين من قبيل الشركات عبر الوطنية أو المؤسسات المتعدّدة الجنسيات وما في حكمها، وتم ذلك على حساب قدرة المؤسسات الوطنية القومية على إدارة مرافقها الاقتصادية بما يحقق مصالح أوسع القواعد الجماهيرية.

على كل حال، فقد اجتهدت القيادات الآسيوية، في مداواة جراحها الناجمة عن أزمة التسعينات، وكان من أبرز هذه القيادات الزعيم الماليزي المسلم مهاتير محمد الذي أعلن رفضه وقتها لنصائح صندوق النقد الدولي، وشفع هذا الإعلان بعبارته المعروفة التي قال فيها: أيها السادة، ربما نكون مخطئين، ولكن نرجوكم اتركونا نتعلم من أخطائنا.

وحين تعلمت نمور آسيا من أخطائها استطاعت انتشال اقتصاداتها من الدمار، ولدرجة أن أصبحت نجاحاتها في هذا المضمار بمثابة دروس مستفادة، يدعو إليها كما أسلفنا- كتابنا من أجل التصدي لعواقب الأزمة المالية الاقتصادية التي مازالت أقطار الغرب تعاني من عواقبها السلبية منذ نشوبها، كما هو معروف، في عام 2008.

لا وصفة سحرية

يسترعي اهتمامنا في هذا الخصوص أن المشاركين في مادة هذا الكتاب، وقد أشرف على تحريره وإصداره البروفيسور آدم بوزِن لم يطرحوا وصفة سحرية، ولا رسموا طريقاً وردياً أمام الغرب الأوروبي- الأميركي من أجل الخروج من ربقة أزمته.

وفي هذا المضمار يقول محللو هذا الكتاب: إن الدروس الأساسية التي يمكن استيعابها من مطالعة الدراسات الثماني التي تشكّل محتوى الكتاب إنما تتمثل في أن البلدان المعنية بحاجة إلى الاستعداد لملاقاة الأزمات باعتبارها أموراً لا سبيل إلى منع وقوعها.

والمعنى بالطبع، هو أنه ليس لأحد بين صفوف الحاكمين ولا لطرف من زمرة المحكومين أن يتصور أن بلده أو اقتصاد بلده بمنأى عن وقوع الأزمات.

وهنا يستعيد كتابنا مقولة أن النظام الرأسمالي معرّض، بحكم التعريف، إلى وقوع الأزمات الدورية، خاصة وأنه نظام يتمحور حول السوق وحركتها وإلى ديناميات قوانين العرض والطلب التي تضبط حركة السوق، وتلك عوامل لا سبيل لإخضاعها للسيطرة الكاملة بحال من الأحوال.

بيد أن الدعوة الأساسية التي يعمل هذا الكتاب على نشرها وتكريس أهميتها تتمثل بدورها في أمر جوهري وهو: سياسات الاستقرار.

وبمعنى التصدي لعوامل التقلّب في النظام الاقتصادي ومكافحة ظواهر بل آفات المضاربة في الأسواق باعتبار أنها تؤدي إلى تغيرات مفاجئة أحياناً وقاصمة في أحيان أخرى في أسعار السلع وفي قيمة المنتوجات، ناهيك عن أسعار وقيمة الأوراق المالية.

وهو ما يفضي كذلك إلى هزات خطيرة تصيب البورصات وسائر أسواق الأوراق المالية من أسهم وسندات، بل وتصل بعض هذه الهزات إلى فداحة الكارثة حيث تؤدي إلى انهيار مؤسسات مالية كانت توصف بأنها عملاقة، وينجم عنها بالتالي انهيارات تصيب ذوي العلاقة سواء كانوا من كبار المساهمين أو حتى كانوا من عامة المتعاملين وغمار المستهلكين.

حدث هذا بطبيعة الحال في أميركا في عام 2008 حين انهارت كبريات بيوت المال ومؤسسات الاستثمار في دوائر وول ستريت، وحدث أيضاً في بلد من الشمال الأوروبي النوردي من العالم اسمه أيسلندا فأدى إلى إعلان الحكومة حالة الإفلاس، وهو لايزال يحدث في بلد يقع هذه المرة في الجنوب الأوروبي المتوسطي اسمه اليونان الذي مازالت شوارع عواصمه تموج بمظاهرات الرفض وحشود الاحتجاج في غمار معارضة معلنة لبرامج التقشف الاقتصادي التي سبقت حكومات أثينا إلى إعلانها في محاولة من جانبها لمواجهة الأزمة الاقتصادية.

حكاية اليابانيزم

في هذا السياق بالذات يستخدم كتابنا مصطلحاً أصبح شائعاً في الأدبيات الاقتصاديات المتصلة بالأزمات المالية التي واجهتها وما برحت تواجهها أقطار شتى من عالمنا، والمصطلح هو: اليابانـــيزم (أو النسج على المنوال الياباني).

والكتاب يشير من واقع التسمية إلى تجربة اليابان التي واجهت أزمات في اقتصادها بعد أن ظل دينامياً وناشطاً بل متوثباً على مدار عقود عديدة في النصف الثاني من القرن العشرين، إنها تجربة الاقتصاد المتقدم كما يصفه كتابنا- حين يواجه أزمة الركود التي تمثلت في انخفاض معدلات النمو وفي معاناة ظاهرة الانكماش (بعكس التضخم) فضلاً عن تزايد وربما تفاقم الديون الحكومية.

وتناقص معدلات الاستثمار وخاصة على مستوى الشركات والمؤسسات الفاعلة، وقد أدي ذلك كما يقول كتابنا - إلى تراجع في إنتاجية العامل الياباني، ثم زاد الوضع تفاقماً حقيقة ديمغرافية هذه المرة جاءت مرتبطة بما أصبحت اليابان تعانيه ( مع دول أخرى في غرب أوروبا) من ظاهرة تحمل مصطلحياً وصف شيخوخة السكان بمعنى تزايد معدلات كبار السن والمواطنين المتقاعدين في المجتمع الياباني على حساب العدد المتناقص من أجيال الشباب الصالح للعمل والجهد والإنتاج.

هذه الظاهرة اليابانية يحذر منها واحد من البحوث المهمة التي يحفل بها كتابنا، وهو البحث الذي ينّبه إلى أن من نجاحات المواجهة الناجعة للأزمة في جنوب شرقي آسيا ما يتمثل في أن دول تلك المنطقة وتضمها

كما هو معروف- مجموعة الأسيان التي تعرفها مصطلحات الأمم المتحدة بأنها رابطة أمم جنوب شرقي آسيا عمدت إلى وعي الدرس الياباني بكل ما احتواه من تراجع مسيرة اليابان في مضمار التقدم الاقتصادي والتكنولوجي فكان أن نجحت دول الأسيان المذكورة في تخطي دوامة أزمة التسعينات على نحو مشهود خاصة ما يتعلق بالمبادرة إلى إصلاح المنظومة المصرفية في هذا البلد أو ذاك، وهو ما يُدعي إلى تنفيذه كما ينبه كتابنا- معظم الدول في أوروبا وأميركا.

في نفس السياق تنبه فصول هذا الكتاب إلى ما تشير إليه بوصفه حالة الترابط (أو التكافل) أو الاعتماد المتبادل، خاصة في غمار ظاهرة العولمة التي انتشرت في كل بقاع الكرة الأرضية في الوقت الراهن.

وهنا يحذر كتابنا من أن تصادف منطقة جنوب آسيا من جديد مشاكل في مسيرها الاقتصادي، متمثلة في انخفاض أو انحسار الطلب على منتوجاتها الصناعية وغير الصناعية، لماذا؟ ، لأن أسواق استهلاك هذه المنتوجات في أوروبا الغربية وفي الولايات المتحدة مازالت تواجه مشاكل بفعل الأزمة الراهنة من حيث معدلات الطلب نتيجة إحجام المستهلك العادي الذي ما برح يساوره، مع سائر مواطنيه، شعور يصفه أهل الاختصاص بالمصطلح التالي: عدم اليقين.

وهم يقصدون بالطبع عدم ثقة المستهلك المواطن العادي، أوروبياً كان أو أميركياً في أن سيتوافر لديه مستقبلاً ما يحوزه في الحاضر من إمكانات.

والمعنى إنه عندما ينحسر الطلب في أسواق الاستهلاك الغربية على السلع الآسيوية تتداعي لذلك دوائر إنتاج السلع المذكورة بالمعاناة، وهي معاناة يفسرها الكتاب على أنها انخفاض في فرص العمل وربما زيادة معدلات المديونية، مما يؤدي بداهة إلى انكماش أو انحسار معدلات وفرص الاستثمار على اعتبار أن هذا الاستثمار هو القاطرة التي تدفع مسيرة الاقتصاد في تلك البلدان الآسيوية التي مازالت تشهد معدلات مرتفعة باطراد في تزايد السكان من جهة، ثم في اتساع وتنوع وتعدد احتياجات هؤلاء السكان من جهة أخرى، وخاصة أجيال العولمة والحواسيب وتكنولوجيا المعلومات والاتصال من الشباب.

أخيراً تخلص فصول وصفحات هذا الكتاب إلى التشديد على أهمية شبكات الأمان الاجتماعي باعتبارها الحائط الكفيل بحماية أوسع وأفقر طبقات المجتمع من غوائل الأزمات الاقتصادية وهي التي تعاني أكثر من غيرها من آفات البطالة وارتفاع الأسعار، ونقص الإمكانات وتراخي معايير وضوابط الإشراف الحكومي على مرافق الإنتاج وآليات الاستهلاك في الأسواق.

 

المؤلف في سطور

البروفيسور آدم س. بوزِن مفكر إنجليزي يجمع بين اشتغاله الأكاديمي بعلوم الاقتصاد وبين تجربته العملية وممارسته الميدانية عبر مواقع شتى بوصفه خبيراً في مجالات الممارسة المصرفية ومن ثم العمل مستشاراً لدي عدد من المصارف المركزية والحكومات ودوائر الاستثمار العالمية حيث كان متخصصاً بالذات في المجالات المتصلة بتحليل ومواجهة التحديات الاقتصادية.

وقد غطّت أنشطته كخبير في ميدان الاقتصاد أقطارا عدة في أوروبا إلى جانب اليابان والولايات المتحدة ولاسيما في ميادين التعامل مع الأزمات المالية والاقتصادية.

ويشغل البروفيسور آدم بوزن حاليا موقع رئيس معهد بترسون للاقتصاديات الدولية، الذي يصفه المحللون بأنه أهم مجمع فكري في العالم من حيث التخصص في قضايا الاقتصاد والعولمة.

وتشهد المجامع البريطانية المتخصصة بما استطاع الدكتور بوزن أن يضيفه إلى الاقتصاد الإنجليزي ومن مواقع المسؤولية التي تولاها في عام 2009 من أفكار ومخططات أدت إلى معالجة ناجعة إلى حد كبير للأزمة المالية التي شهدتها تلك الفترة.

ومازال المؤلف يطرح أفكاره في هذه المجالات عبر العديد من وسائل الإعلام المقروءة، مثل صحيفة نيويورك تايمز، أو المسموع والمتلفز مثل الإذاعات البريطانية ومحطات التلفزة الأميركية. وهو خريج جامعة هارفارد الأميركية.عدد الصفحات: 350 صفحة

عرض ومناقشة: محمد الخولي

الناشر: معهد بترسون للاقتصاد الدولي، نيويورك، 2014

Email